Skip links

العقول المهاجرة من معوقات التنمية في العراق..

مقالات

أ. د. محمد طاقة
يُعد العراق من البلدان ذات التاريخ العريق والإمكانات الاقتصادية الكبيرة.
لكنه يواجه منذ عقود تحديات متشابكة أعاقت مسيرته التنموية.
فالحروب المتكررة والعقوبات والاحتلال والفساد السياسي كلها عوامل ساهمت في تدهور مؤسسات الدولة في ظل هذه الظروف برزت قضايا جوهرية تمس صميم التنمية مثل هجرة العقول وضعف التعليم وتهميش المرأة واهمال التراث الثقافي وحجم الاعتماد على النفط لتشكل حواجز كبرى امام التنمية فضلاً عن العوائق البنيوية امام إصلاح المؤسسات الاقتصادية.
شهد العراق بعد عام (2003) موجات واسعة من هجرة الكفاءات ولا سيما من المعلمين واساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين وقد ادى ذلك إلى انخفاض جودة التعليم نتيجة فقدان المدرسين ذوي الخبرة.
وضعف البحث العلمي والإنتاج المعرفي واعتماد البلاد على خبرات اجنبية في القطاعات الحيوية مما أدى إلى تباطؤ مشاريع التنمية بسبب غياب التراكم المؤسسي والمعرفي.
ان فقدان راس المال البشري يُعد احد ابرز معوقات التنمية في العراق
تشير دراسة ميدانية إلى ان من بين (567) طبيباً تم استطلاع آرائهم غادر نحو (365) طبيباً العراق واستقروا في الخارج اي ما يقارب (64 % ) من العينة من هؤلاء ان (66 % ) أكملوا تخصصاتهم واستقروا بالخارج نهائيا ً، في حين ان اكثر من نصف الاطباء في العراق يرغبون بالهجرة.
هذه الأرقام خاصة فقدان (66 % ) من الكوادر الطبية في التخصصات الدقيقة تعطي مؤشراً واضحاً على تراجع جودة الرعاية الصحية وتراجع البحث العلمي والشيء نفسه ينطبق على قطاع التعليم في العراق.
يمثل التراث العراقي مورداً اقتصادياً وثقافياً يمكن استثماره في السياحة الثقافية وزيادة الموارد المالية عبر اعادة احياء المواقع الأثرية وتعزيز الهوية الوطنية والانتماء بما يقلل من حدة الانقسامات الداخلية وهو يُعد احد مصادر التنمية المهملة حتى الان.
ان دعم القوة الناعمة للعراق في محيطه الإقليمي والدولي إلا ان الإهمال والنهب وتدهور الامن كلها عوائق حدّت من توظيف هذا التراث كأداة للتنمية.
يعاني النظام التعليمي العراقي شأنه شأن أنظمة التعليم في كثير من الدول النامية من انفصال عن متطلبات السوق فهو يقوم على التلقين والحفظ ولا يركز على المهارات العلمية ولردم هذه الفجوة ثمة حاجة إلى تحديث المناهج لتشمل التفكير النقدي التكنلوجيا وريادة الأعمال والعمل على تطوير التعليم المهني والتقني وكذلك بناء شراكات بين الجامعات والقطاع الخاص لتحديد الاحتياجات الحقيقية لسوق العمل وربط الجامعات بسوق العمل لتقليل معدلات البطالة المتوقعة التي وصلت إلى نحو (15،4 % ) في عام( 2023).
حقق العراق بعض التقدم في تمكين المرأة عبر التعليم إذ ارتفعت نسبة التحاق الإناث بالجامعات إضافة إلى مبادرات محلية ودولية لمحو الامية ومع ذلك تبقى التحديات كبيرة منها الأعراف الاجتماعية والزواج المبكر تحدان من استمرارية التعليم للفتيات وضعف البنية التحتية التعليمية خصوصاً في المناطق الريفية وكذلك التفاوت الجغرافي والاقتصادي في فرص التعليم. ورغم التقدم في نسبة التحاق الاناث بالجامعات فان مشاركة النساء في سوق العمل لا تزال منخفضة جداً.
وتشير بيانات اليونسكو إلى ان معدل مشاركة النساء في سوق العمل في العراق لا تتجاوز ال (11 % ) رغم أنهن يشكلن نسبة كبيرة من خريجي مراحل التعليم العليا خصوصاً في التخصصات العلمية هذا التفاوت يعكس تحديات هيكلية منها ضعف البنية التحتية ضغوط اجتماعية وعدم توفر الدعم المؤسسي.
يعتمد العراق في تمويل التنمية بالدرجة الاولى على عوائد النفط التي تشكل اكثر من (90 % ) من الموازنة كما يحصل على المساعدات الدولية والقروض إضافة إلى الاستثمارات الاجنبية المحدودة.
غير ان انعدام الاستقرار والفساد يعرقلان توظيف هذه الموارد بكفاءة فيما يظل الاقتصاد هشاً امام تقلبات اسعار النفط العالمية.
ووفقاً للبنك الدولي فان النفط شكل خلال العقد الأخير ما يزيد على (85 % ) من الموازنة الحكومية و(42 % ) من الناتج المحلي الاجمالي وقدر اكثر من (99 % ) من الصادرات العراقية.
من ابرز التحديات التي تعيق إصلاح المؤسسات وتنفيذ السياسات الاقتصادية في العراق هو نظام المحاصصة الطائفية الذي يضعف اتخاذ القرار وكذلك الفساد المستشري الذي يلتهم الموازنات التنموية.
تشير التقارير إلى ان ما يقدر ب اكثر من (150) مليار دولار من عائدات النفط قد سرقت منذ عام (2003) بسبب الفساد وضعف سيادة القانون مما يعطل تطبيق التشريعات وتدخل القوى الخارجية في رسم السياسات الاقتصادية وغياب رؤية وطنية موحدة للتنمية طويلة الأمد.
ان مستقبل التنمية في العراق مرتبط ارتباطاً وثيقاً بقدرته على معالجة هذه التحديات المترابطة فهجرة العقول لا يمكن وقفها دون إصلاح النظام التعليمي وضمان بيئة عمل آمنة ومستقرة ومحفزة والتنمية الاقتصادية لن تتحقق دون استثمار التراث الثقافي كأداة لتعزيز الهوية والسياحة ودون تمكين النساء عبر التعليم كما ان الاعتماد على النفط وحده يجعل الاقتصاد هشاً في حين ان العوائق السياسية والفساد تشل اي جهود اصلاحية.
وبالتالي فإن اعادة بناء العراق تتطلب مشروعاً وطنياً شاملا يعيد الاعتبار للإنسان العراقي باعتباره المحرك الحقيقي للتنمية..
عمان
في 25/8/2025

اترك تعليقًا

عرض
Drag