بعد عامين من حرب غزة: ما الذي حققه كل من نتانياهو وحماس؟
تقارير
BBC
عامان مرا على الحرب المدمرة، التي شهدها قطاع غزة، بين إسرائيل وحركة حماس، ليصل الطرفان المتحاربان والمنطقة إلى نقطة، يستشرفون فيها إمكانية حلول السلام، ونهاية الحرب، مع خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي بدأت المفاوضات بشأن تطبيقها بالفعل.
وفي تلك اللحظة، لايمكن إغفال ضرورة الوقوف، وقفة حساب، والنظر بنظرة موضوعية، فيما حققه الطرفان من الحرب، بمعايير الكسب والخسارة.
ولايمكن لأي من طرفي الحرب، أن يدعي أنه حقق انتصارا كاملا، إذ أن مراقبين يرون أن كلا الجانبين، حققا انتصارات في بعض الجوانب، لكن كليهما مُني بخسارات كبيرة في جوانب أخرى
حماس
تشير أرقام الضحايا المدنيين من الفلسطينين، بجانب التدمير الكامل الذي لحق بالبنية التحتية لقطاع غزة، إلى مدى الخسائر التي لحقت بحماس، والتي تحمل الجانب الشعبي الحصة الأكبر منها.
وتفيد الأرقام بأن الحرب في غزة، أسفرت عن مقتل 66 ألف شخص، كما أدت إلى إصابة 168 ألفا آخرين، جُلهم من المدنيين، كما أدت إلى تفشي مجاعة حادة في العديد من مناطق القطاع، بينما أدت أيضا إلى نزوح أكثر من 1.9 مليون شخص داخليًا، وعلى صعيد التدمير الذي لحق بالبنى التحتية، تشير أرقام الأمم المتحدة ، إلى أن الحرب دمرت أكثر من 90 بالمئة، من المباني السكنية في القطاع، وكذلك نسبة 90 بالمئة من الطرق.
وقبل اندلاع حرب غزة، أشارت عدة تقديرات، إلى أن حماس كانت تمتلك ما بين 25 إلى 30 ألف مقاتل. وقد أشارت مصادر أمنية إسرائيلية في عدة مناسبات، على مدى العامين الماضيين، إلى أن إسرائيل قتلت ما بين 17 إلى 23 ألفا من هؤلاء المقاتلين.
على الجانب الآخر، تفيد تقارير لمراكز بحثية وإحصائية موثوقة، بأن أكثر من 80 بالمئة، من بين 66 ألف قتيل سقطوا في غزة، كانوا من المدنيين، في إشارة واضحة إلى المدى، الذي تحمل فيه المدنيون الفلسطينيون ويلات تلك الحرب.
خطاب النصر
غير أنه وعلى مستوى مؤيدي الحركة، فإنهم يكررون خطابا، يفيد بأن الحركة، وبجانب مامنيت به من انتكاسات، سواء على مستوى مقاتليها وقادتها، أو على مستوى الأزمة التي أحدثتها الحرب، لمواطني غزة، فإنها حققت نصرا معنويا واضحا وفقا لهم.
ويرى هؤلاء أن من بين ماحققته الحركة، خلال عامين من الحرب، كان معنويا، بصورة أكبر من كونه نصرا عسكريا، إذ هي من وجهة نظرهم، أعادت القضية الفلسطينية بقوة، إلى الساحة العالمية، كما أكسبتها تعاطفا كبيرا، برز بصورة واضحة، في تعاطف من قبل الرأي العام العالمي، الذي ضغط بقوة، من أجل إنهاء الحرب، كما أنها من وجهة نظرهم أيضا أسفرت عن إنكشاف لحقيقة إسرائيل، في ظل اتهامات دولية لها، بارتكاب جرائم حرب في غزة.

ويعتبر مراقبون أنه وبعد عامين من الحملة العسكرية الإسرائيلية، ضد حماس في غزة، فإن الحركة لم تهزم بالكامل بعد، رغم اعترافهم بأنها ضعفت وتلقت ضربة قوية وموجعة، ويرى هؤلاء أيضا إن القضاء الكامل على حماس، ربما يكون غير ممكن وأن إضعافها ربما يكون هو أقصى غاية يمكن لإسرائيل أن تحققها.
إسرائيل
على الصعيد الإسرائيلي، ورغم تكرار القادة الإسرائيليين، القول بأنهم حققوا أهداف الحرب، وأنهم قضوا على القوة العسكرية لحماس، فإن الأمر لايبدو في حقيقته كذلك، وإن كانت إسرائيل قد نجحت بالفعل، في قتل معظم قادة حماس في غزة، وملاحقة آخرين منهم بالقتل، في دول أخرى كما أنها نجحت في نهاية المطاف وواقعيا، في إعادة احتلال معظم القطاع.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قد أعلن مع بداية الحملة العسكرية على حماس في غزة، عن هدفين للحرب، هما تحرير جميع الرهائن وتدمير حماس كليًا، إلا أن جانبا كبيرا من المراقبين يرون أنه وبعد الحملة العسكرية، التي دامت لعامين، فإن الهدفين اللذين أعلنهما نتانياهو لم يتحققا بصورة تامة.
يقول الصحفي الإسرائيلي “بن درور يميني”، في مقال له بصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، إن إسرائيل “فازت في المعركة لكنها خسرت الحرب“.
ويشير يميني إلى أن تل أبيب، كان بإمكانها أن تبادر إلى وقف إطلاق النار مرات عديدة، بدلا من أن يُفرض عليها بالقوة، لتظهر للعالم أن حركة حماس، هي الطرف الذي يسعى إلى استمرار الحرب وليس إسرائيل.
ويكتب يميني قائلا، إن النظر إلى العامين الماضيين، من زاوية أوسع، يظهر أن إسرائيل، اقتربت في الأسابيع الأخيرة من الفشل التام، ليس عسكريا وإنما سياسيا واستراتيجيا، بعدما نجحت حماس في جرها نحو حافة الانهيار.
ويتفق كثير من المراقبين دوليا، مع مايطرحه الكاتب الإسرائيلي، إذ يرون أن الثمن السياسي لما حققته إسرائيل، من نجاحات على المستوى العسكري التكتيكي، كان باهظا، إذ أدى أسلوب إدارة الحرب في غزة من قبل القادة الإسرائيليين، إلى انتقادات دولية واسعة لإسرائيل، سواء على المستوى الرسمي، أو المستوى الشعبي، متمثلا في انتقادات معلنة للعديد من زعماء العالم الغربي، الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة رأي عام شعبي متصاعد، مناهض لما تقوم به إسرائيل.
ولايمكن أيضا في هذا السياق، إغفال التأثير السلبي، الذي تركته الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي، على مدار العامين الماضيين، إذ تكشف العديد من المؤشرات الاقتصادية، عن أن إسرائيل دفعت ثمنا غاليا على المستوى الاقتصادي، بفعل الحرب، فيما يتعلق بمعدلات النمو الاقتصادي، وسوق العمل، والاستثمارات، وتشير بعض التقديرات إلى أن الخسائر التي أسفرت عنها الحرب، للاقتصاد الإسرائيلي، ربما تصل إلى مئات الميارات من الدولارات.
تحركات مكثفة… وضمانات تتزايد “لسد فجوات” إنهاء الحرب في غزة

فتاة تدفع كرسياً متحركاً مكسوراً محملاً بصفائح المياه على طريق في مخيم للنازحين جراء الحرب شمال النصيرات (أ.ف.ب)
يبذل الوسطاء الساعون لتحقيق وقف إطلاق النار في غزة إلى توسيع الضمانات بين الأطراف المعنية لـ”سد الفجوات” التي لا تزال تعرقل الوصول إلى اتفاق سلام.
وفي حين تتواصل، لليوم الثاني، المفاوضات غير المباشرة، بين وفدي حركة “حماس” وإسرائيل في مدينة شرم الشيخ المصرية، كشف وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، عن تحركات لاعتماد خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بمجلس الأمن، ونشر قوات دولية في قطاع غزة، وإنشاء آلية أممية للانسحاب الإسرائيلي الكامل.
وأفادت قناة “القاهرة الإخبارية” الفضائية، الثلاثاء، باستمرار مفاوضات جولة المفاوضات بشرم مدينة شرم الشيخ المصرية، لليوم الثاني، وسط أجواء “إيجابية”.
ضمانات الخطة
وتتركز اللقاءات على وضع آليات وتفاصيل تطبيق المرحلة الأولى من خطة ترمب، التي تشمل ثلاثة محاور رئيسية؛ أولها تحديد آليات الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، ثم بحث ترتيبات التهدئة وانسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة، ثم ضمان تدفق المساعدات الإنسانية الكافية لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني في القطاع.
وكشفت مصر عن تحركات مكثفة بشأن ضمانات تنفيذ الخطة، وحرص عربي وإسلامي على إنجاحها، وفق ما ذكره وزير خارجيتها، الثلاثاء، خلال مؤتمرات صحافية مع نظرائه: السلوفينية تانيا فايون، والهولندي ديفيد فان فيل، والألماني يوهان فاديفول بالقاهرة.

فلسطينيون يحملون أكياساً من المساعدات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
ولفت عبد العاطي إلى العمل على إنشاء آلية أممية تضمن أمن جميع الأطراف، وتضمن الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة. وأضاف أن “الجهود المصرية لم ولن تتوقف، وسنقوم بالتنسيق في اجتماع بأوروبا نهاية الأسبوع لاستكمال التحرك في الأمم المتحدة لاعتماد خطة ترمب، والعمل على نشر قوات دولية بما يضمن أمن واستقرار الشعب الفلسطيني”.
وأعلن وزير الخارجية المصري أن المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، سيتوجه لمصر خلال الساعات المقبلة، مشيراً إلى أنه “تحدث معه بشأن أهمية أن يكون هناك قرار في مجلس الأمن لاعتماد خطة ترمب ونشر قوات دولية بما يوفر الحماية للجانب الفلسطيني”.
تفاصيل تحتاج للتوافق
من جهته، أكد المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، في مؤتمر صحافي، الثلاثاء، بالدوحة أن هناك تفاصيل كثيرة من خطة ترمب لا تزال بحاجة إلى توافق عليها، مشيراً إلى أن اليوم الأول (الاثنين) شهد 4 ساعات من المفاوضات الدقيقة.
وأكد الأنصاري أن “التركيز يجب أن ينصبّ على أن نحوّل الخطة إلى خطة عملية، وأن نصل إلى أن تسير الخطوات تباعاً في التطبيق، وألا تكون هناك عقبات في التطبيق قد تعطي فرصةً للاحتلال بمعاودة العدوان على غزة”.
عضو “المجلس المصري للشؤون الخارجية”، الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، يرى أن الوسيط المصري يريد الاعتماد الأممي لخطة ترمب كجزء من الضمانات لتنفيذ الاتفاق، بحيث يكون مجلس الأمن مظلة وغطاءً للحيلولة دون أي مناورات إسرائيلية مستقبلة، في ظل المؤشرات الإيجابية الحالية في مفاوضات شرم الشيخ.

طفل فلسطيني يحمل حقيبة ويجرّ أخرى خلفه بالقرب من معبر نتساريم وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
واتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، قائلاً إن “مصر تبذل جهوداً كبيرة، وتحاول أن تحاصر إسرائيل باتفاقات وتعهدات دولية لتجبرها على الانصياع لتنفيذ خطة ترمب كاملة وعدم التهرب منها بعد تسليم الأسرى”، مؤكداً أنه رغم هذه الجهود فإن نتنياهو سيعمل على إفشال الاتفاق بعد تسلم الرهائن.
هيئة وطنية شاملة
ويتبادل طرفا الحرب التي تدخل عامها الثالث الشروط والمطالب على طاولة المفاوضات، وقال القيادي بحركة “حماس”، فوزي برهوم، الثلاثاء، إن وفد الحركة المفاوض في مصر يسعى من أجل تذليل كل العقبات للوصول إلى اتفاق لوقف الحرب بقطاع غزة.
وأضاف برهوم، في كلمة بخصوص الذكرى الثانية للحرب أن “(حماس) تسعى إلى الوصول لاتفاق يتضمن وقفاً دائماً وشاملاً لإطلاق النار، وانسحاباً كاملاً للجيش الإسرائيلي من مناطق قطاع غزة كافة وإدخال المساعدات دون قيود، وضمان عودة النازحين، والبدء الفوري في عملية إعادة إعمار شاملة تحت إشراف هيئة وطنية فلسطينية من التكنوقراط، وإبرام صفقة تبادل أسرى عادلة”.
وحذّر برهوم مما وصفها بمحاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، “عرقلة وإفشال الجولة الحالية من المفاوضات كما أفشل متعمداً كل الجولات السابقة”.

قصف مدينة غزة متواصل كما ظهر الثلاثاء رغم المفاوضات الجارية في شرم الشيخ منذ يوم الاثنين (إ.ب.أ)
وذكر موقع “واي نت” الإخباري الإسرائيلي أن نتنياهو طلب من الوفد الإسرائيلي المفاوض في شرم الشيخ، الاثنين، عدم السماح لـ”حماس” بالخروج عن خطة ترمب بشأن وقف الحرب في غزة، أو الخريطة المرفقة بها، مضيفاً أن الجيش الإسرائيلي سيستأنف عملياته القتالية في قطاع غزة في حال عدم تحقيق أي تقدم خلال أيام قليلة.
ورغم المخاوف المتبادلة بين إسرائيل و”حماس” فإن أنور يرى إمكانية البناء على المؤشرات الإيجابية الحالية في مفاوضات شرم الشيخ، وأن يكون الاتفاق قريباً وفي المتناول، وتبدأ بعدها مناقشة تفاصيل تنفيذ باقي الخطة.
ويعتقد نزال أن إسرائيل لن تذهب لوقف الحرب، وستكرر نموذج لبنان المرتبط بوقف موقف لإطلاق النار وتنتهكه متى تشاء دون أي سقف أو رادع.
