“محتدم منذ سنوات”.. تنافس أميركي صيني على الاستثمارات في العراق
تقارير
شفق نيوز- ترجمة
يشكل العراق ساحة معركة حيوية و”جائزة اقتصادية” في ظل المنافسة الجيوسياسية المتعددة الأقطاب، وخصوصا بين الولايات المتحدة والصين، من خلال نهجهما الاستثماري المتباين والمتنافس على الفرص التي يوفرها العراق، في حين أن بغداد.
وبحسب تقرير موقع “فير أوبزرفر” الأميركي الاستقصائي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، والذي يحمل عنوان “القوة تحت الرمال: النهج الاستثماري للولايات المتحدة والصين في العراق”، فإن العراق يعتبر محوريا في التنافس الجاري بين الولايات المتحدة والصين، حيث يحاول تحقيق توازن في نهج الأمن والإصلاحات الذي تُقوده الولايات المتحدة، وبين نهج الصين المتمثل في الاستثمارات السريعة التي تقودها الدولة في البنية التحتية.
اعتبر أن نجاح العراق، في ظل هيمنة الصين على الاستثمار الأجنبي في البلد، مرتبط بمدى قدرته على الدمج ما بين قدرة الصين على إنجاز مشاريعها، وبين الدعم المؤسسي الأميركي، إلى جانب ضمان الرقابة ونقل المعرفة ومكافحة الفساد، لكي يتمكن العراق من تحقيق التنمية المستدامة وسط منافسة القوى العظمى.
وأوضح التقرير أن العراق يمثل ساحة معركة حيوية، مشيرا إلى أن موقعه يربط بين مناطق النفوذ الإيرانية والتركية ودول الخليج، بالإضافة إلى أن احتياطاته النفطية الضخمة ومنظمة “أوبك” التي تمثل نحو 80٪ من احتياطيات النفط في العالم، تجعل من العراق بمثابة “جائزة اقتصادية” ضمن ساحة المعركة متعددة الأقطاب.
وأضاف أن الاستقرار النسبي في العراق بعد صراعه ضد تنظيم “داعش”، يمثل فرصة استثمارية للشركات الصينية والأميركية فيما يتعلق بجهود إعادة الإعمار والتنمية، مع ما يجلب ذلك لاحقا من تأثير كبير لكل من بكين وواشنطن.
كما قال التقرير إن كلّا من الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كوردستان شاركت، منذ إعلان الانتصار على “داعش” في كانون الأول/ديسمبر 2017، في جهود جذب الاستثمار، مستشهدا بمثال “صندوق التوطين”، الذي أنشأته بغداد في تشرين الأول/أكتوبر 2024 كجزء من اتفاقية مع شركة “السويدي إليكتريك” التي تتخذ من مصر مقرا لها، لجذب الاستثمار الأجنبي في المشاريع الاستراتيجية في صناعات غير نفطية، بهدف تنويع محفظتها.
وذكر أنه برغم اختلاف نموذجي الاستثمار الأميركي والصيني اختلافا كبيرا، إلا أن العراق أظهر إمكانية الاستفادة من كلا النموذجين، وبالتالي تعزيز إمكانات التنمية وإعادة الإعمار، مضيفا أن نهج الاستثمار الأميركي يؤكد على الشفافية والإصلاح التنظيمي وانخراط المجتمع المدني، في حين أن نهج الاستثمار من جانب الصين يؤكد على أولوية ملاءمة الاستثمار وإنجاز مشاريع البنية التحتية الواسعة من خلال رأس المال الموجه من الدولة مع الحد الأدنى من الشروط السياسية، وهي نقطة غالبا ما تتم الإشارة إليها في منشورات الحكومة الصينية.
وأوضح التقرير أن النهج الأميركي غالبا ما يتضمن شراكات بين القطاعين العام والخاص وتحرير السوق، في حين إن الاستثمار الصيني يتم عادة من خلال الشركات المملوكة للدولة ومن خلال القروض الميسّرة، وهو ما يظهر بشكل خاص في اتفاقيات النفط مقابل البنية التحتية في العراق.

قاعدة عين الأسد في العراق
وبعد الإشارة إلى قواعد كتاب اللعب الأميركي، يرى أنه منذ غزو العام 2003، سلكت الولايات المتحدة نهجا متعدد الجوانب للانخراط في العراق، من خلال أولا إقامة قواعد عسكرية لدعم الحكومة الانتقالية الجديدة، وثانيا من خلال الاعتماد الكبير على كل من المؤسسات الإنمائية والمنظمات الحكومية الأميركية، مثل البنك الدولي ووكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية، فضلا عن دعم قروض صندوق النقد الدولي التي موّلت إعادة الإعمار مع تشجيع الإصلاحات المالية.
ووفقا للتقرير، فإن استراتيجية التنمية الأميركية في العراق، اعتمدت على إنشاء بيئات صديقة للأعمال التجارية من خلال الإصلاح الأمني والمالي لتسهيل الاستثمار الخاص، مبينا أن دور الاستثمار الخاص في عملية تحديث العراق لم ينطلق بقوة إلا بعد عودة الأمن إلى البلد وليس قبل ذلك.

أما بالنسبة إلى الصين، فإن استراتيجيتها كانت أكثر مرونة بكثير، حيث إن بكين التي لم تتردد في الاستثمار في البلدان غير المستقرة، رأت أن العراق يمثل فرصة ذهبية للوصول إلى النفط والبنية التحتية الاستراتيجية في الشرق الأوسط، لافتا إلى أن العراق حصل على أكثر من 10 مليارات دولار من الاستثمارات من الشركات الصينية من خلال مبادرة “الحزام والطريق” منذ العام 2015، ما جعله رابع أكبر متلقٍّ للاستثمارات.
وتابع التقرير، قائلا إن الصين أكبر وجهة تصدير من جانب العراق سنويا بين العام 2019 إلى العام 2023، وأن 99.3٪ منها من النفط، مؤكدا أن الاستثمارات الصينية، بعكس الاستثمارات الأميركية الخاصة، فإن الوضع الأمني في البلد، لم يعرقلها.
ويلفت إلى أن شركة النفط الوطنية الصينية المملوكة للدولة، اشترت بعضا من تراخيص النفط الأولى الصادرة للشركات الأجنبية بعد غزو العام 2003، مضيفا أن الصين استثمرت في مشاريع الطرقات والاتصالات والتعليم، بما في ذلك شركة “هواوي” الأكبر في الصين، التي لها استثمارات في العراق، لكن شركة النفط الوطنية الصينية كانت أكبر مستثمر أجنبي في العراق.
في تشرين الثاني/نوفمبر 2008، فازت شركة البترول الوطنية الصينية أيضا بعقد بقيمة 3.5 مليار دولار لتطوير حقل الأحدب، وبحلول عام 2014، كانت شركة البترول الوطنية الصينية أكبر مستثمر أجنبي في العراق، حيث استثمرت الصين في الطرق والاتصالات والتعليم.
واستطرد التقرير حديثه بالقول إن التقديرات تشير إلى أن الشركات الصينية تشغل 7.27٪ من مشاريع تطوير النفط والغاز في العراق، وهي أكبر شريحة من أي بلد إلى جانب العراق، بينما تحتل الشركات الأميركية أقل من 2٪ من هذه الاستثمارات، موضحا أن الصين طرحت نهجها على أنه متميز عن الولايات المتحدة، وهي تؤكد باستمرار على عدم تدخلها في الشؤون الداخلية للعراق، ويسلط مسؤولوها الضوء دائما على التزامهم “بحماية السيادة الوطنية.. والسلامة الإقليمية”، وهي رسالة أساسية كررتها وزارة الخارجية.
هذا الإطار كان ميزة استراتيجية، ما قد يمنح الصين ميزة على الولايات المتحدة في تأمين فرص الاستثمار في العراق، بحسب التقرير، الذي أكد أيضا أنه بينما هناك اختلاف في النموذجين، إلا أن العراق لديه القدرة على الاستفادة من كليهما في الوقت نفسه من خلال الاستفادة من توفير البنية التحتية السريعة في الصين لتلبية الاحتياجات الملحّة، مثل الطرق والطاقة والإسكان، وفي الوقت نفسه استخدام الشراكات الأميركية من أجل تعزيز القدرة المؤسسية وتقوية ريادة الأعمال وتحسين الشفافية.
إلا أن التقرير دعا الحكومة العراقية إلى طرح استراتيجية استثمار وطنية واضحة تحقق المواءمة، فيما بين المشاريع قصيرة المدى، مع الأهداف الإنمائية الطويلة المدى، إلى جانب تعزيز الرقابة التنظيمية وتنوع مصادر التمويل، مطالبا العراق بتطبيق قانون نقل المعرفة لكل مشروع، وأن يُشكّل أيضا لجنة خاصة لمكافحة الفساد في المشاريع الممولة من الخارج، في إطار هيئة النزاهة.
وخلص التقرير إلى القول إنه في حال نجحت استراتيجية العراق، فإنه قد يكون نموذجا للدول الأخرى حول كيفية التنقل فيما بين المنافسة “الأميركية – الصينية”، بطريقة تكون “مربحة للجانبين“.
وبرغم ذلك، لفت التقرير إلى أن الصين، بخلاف الولايات المتحدة، لا تمتلك تاريخا عسكريا مثيرا للجدل في العراق، وهو ما يمثل ميزة كبيرة بالنسبة لبكين، مبينا أن هذا التصوّر سيؤثر في نهاية الأمر على كيفية تنقل الحكومة العراقية بين تنافس القوة القائم بين الولايات المتحدة والصين وتحديد نموذج الاستثمار الذي يؤمن إعادة الإعمار والتنمية المستدامة التي بمقدور العراقيين الوثوق بها.
