Skip links

عبد الحسين شعبان: العرب ليسوا بحاجة إلى الديمقراطية بقدر حاجتهم إلى التنمية

حوارات

منذ أن اقترحنا عليه إجراء حوار مع موقع “الصحيفة”، غصنا في جرد المواضيع والتيمات ذات الراهنية والتي من المهم استحضارها في لقائنا به، وفي كل مرة نحدد فيها موضوعا نجد أنفسنا أمام تساؤلات فلسفية لمحاورِنا تفتح أمامنا أبوابا وتفريعات وزوايا معالجة تحتاج إلى الكثير من التدقيق والمراجعة والتصويب.

إن الضبط والتدقيق في المفاهيم وأبعادها لا يعادله إلا ذلك الانفتاح الفكري والفلسفي على القيم الإنسانية وقدرة محاورنا على لجمها وتطويعها خدمة للإنسانية باختلاف روافدها ومساراتها، فالدكتور عبد الحسين شعبان، موسوعي الثقافة ومتنوع الانشغالات ومنتج أفكار وصاحب مبادرات، نجفي المنشأ ويساري الفكر وكوني القيم، وواحد من أبرز الأسماء التي انتصرت لـ”المادية الجدلية”، ظل متمسكا بأهدابها مع انفتاحه على الفكر الانساني بمدارسه المختلفة، بل وعمل على إغنائها باجتهادات وقراءات متجددة للفكر الاشتراكي من زوايا انتقادية منسجمة في شموليتها مع روح العصر والتعددية الانسانية والتنوع الفكري والحضاري.

والمفكر شعبان واحد من الروّاد الكبار للعمل الحقوقي والإنساني في  العالم  العربي، وأستاذ محاضر في العديد من الجامعات العربية والدولية، حيث استقرّ لتدريس “فلسفة اللّاعنف” في جامعة اللّاعنف وحقوق الإنسان التي يشغل فيها منصب نائب الرئيس المعني بالشؤون الثقافية.

نستضيف في هذا الحوار الخـاص الدكتور شعبان لمحاورته في قضايا التغيير والتنوير، ثم ننتقل معه إلى عوالم بوح إنساني ووجدانيات حميمية، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ليكشف فيها روحه الحيّة وعالمه الخاص ومواقفه من الحب والحياة والعمل والدين والهويّة ويقدّم نقداً لكل ذلك.

وهذه بعض المقتطفات من حوار د. عبد الحسين شعبان مع الأستاذ هشام الطرشي

دعنا نأخذ منك اعترافات للبوح بجمل قصيرة.. وهنا نبدأ بالرؤية، ماذا عن رؤيتك؟

أحاول أن أستكشف الضوء في أكثر الأمكنة ظلاماً من خلال الأدب

أين أنت من التاريخ؟

 أنا سليل رحّالة وجغرافيين ممن عرفتهم المنافي، وحفيد الشيخ حبيب شعبان أحد أبرز شعراء الغري الذي هجر الدراسة الحوزوية في النجف وغادر الحضرة العلوية واختار الشعر والمنفى، ليجد ملاذه في بومبي، حيث عاش ومات ودفن فيها.

 كيف تنظر إلى المنفى؟

المنفى فضاء رحب لمقاومة العزلة والشيخوخة والفداحة، وأنا كائن حركي، لأنه في الأصل كانت الحركة وهي القاعدة، أما الثبات والاستقرار فهو مؤقت واستثنائي. وصرتُ أعرف نفسي أكثر في المنفى والدليل إليها هو وريقاتي التي تهبّ عليّ مثل ذكرى هي حاضر، والحاضر هو ذكرى أيضاً

أي المدن أحب إلى قلبك؟

أنا مزيج من مدن وأنهار وصداقات لي في النجف السعيد وبغداد الروح ودمشق الحميمة وبراغ الذهبية ولندن التنوّع وبيروت الخلود، منازل وغرف ومقاهي ومكتبات وصديقات وأصدقاء، ولأنني تعدّدي فإن روحي منثورة بين هذه المدن وقلبي موزّع بين نسائها

كيف تنظر للحياة؟

أحتفل بالحياة وأنا متولّهٌ بها محفوف بكل أنواع الموسيقى والألوان والقصائد

هل أنت حائر؟

 حيرتي وجودية، وهي حيرة مستمرة ومتحركة، وحسب ابن عربي، فالهدى في الحيرة، لأن هذه حركة والحركة حياة.

 كيف ترد على خصومك؟

أجد نفسي مترفّعاً في الكثير من الحالات، فأتردّد من منازلة بعض من لا يستحق المنازلة، ولن أرتضي لنفسي الخوض في البذاءات والهبوط إلى مستوى التفاهات. لا أستطيع أن أرفس الحصان إذا واجهني.

 أجدك دائماً مع المظلوم.. لماذا؟

لم أقف مع “المنتصر” في الغالب وقد أتحالف مع الخسارة، خصوصاً حين يكون الثمن الذائقة الجمالية والمعيار الأخلاقي والكرامة الشخصية، ولذلك لم أنخرط في جوقة السمسرة لبيع البستان، فأي شجرة رمان فيه أو غصن مشمش أو فسيلة نخل تساوي عندي كل ثروات الأرض.. ولا طاقة لي بمجاراة من يغالي في اغتيال القيم. ولن أقبل لنفسي أن أكون جزءًا من مرابي الثقافة ومتصيّدي الفرص.

أين ترى بهجتك؟

بهجتي روحية وسعادتي حلقات متّصلة والنقد والمصارحة مع الذات أول مصادرها، وبالطبع أنا عاشق ورائحة العشق تملأ حياتي

متى تكشف ما عندك؟

أعرف الكثير من الأسرار المثيرة للفضول، لكنني حريص على عدم البوح بها واحترم خصوصيات الناس وقد ائتمنت على الكثير منها

لهذه الأسباب أنت تعاني؟

معاناتي من معاناة الناس وأعرف كم هي همومهم وعذاباتهم، وأدرك معنى أن يكون شعباً بأكمله عرضة للاستلاب والقهر، والحروب والحصار، لتأتي الحقبة الاستعمارية الجديدة بكل رموزها وتداخلاتها الدولية والإقليمية فتكشف هشاشة ما تبقى وتظهر حقيقة المستور

هل أنت متحالف مع القدر؟

قضيتُ حياتي أبحث عن عطر الورد وأنام في حديقة الأمل لأستنشق الحرية.

 وأين أنت من الفلسفة؟

احتفيت دائماً بالفلسفة ووقفت عند مداخل التاريخ ومخارجه، وأتوق دائماً إلى الذكريات وكأنها المستقبل.

بماذا ساعدتك الثقافة؟

الثقافة ساعدتني في اجتراح المعقول وغير المعقول في زمن ضاعت فيها الحدود. والثقافة هي التي عوضتني عن كل الخسارات ومنحتني هذه القدرة العجيبة على «ارتكاب» الأحلام.  

أنت وطني كبير، كيف تأسس ذلك؟

نزعتي الوطنية رضعتها مع الحليب وهي بوصلتي في كل شيء وسفينتي لن ترسو في الشواطئ الغريبة.

 كيف اجترحت كل تلك الآلام؟

الصبر نعمة ربانية وهو حصيلة حكمة الزمن المحسوس والمعيش، والبساطة جزء من تكويني وفيها أجد الصفاء المشتبك بالمصير الإنساني.

 متى تهدأ روحك؟

مرفأي لن يهدأ وأغاني الروح لن تستكين، وهناك علاقة تكافلية وحيوية بيني وبين الناس

وماذا عن الحب بعد السبعين كما تقول؟

الحب والحرية متلازمتان ولا أستزرع الأفكار في غير بيئتها ولا أستنبت التجربة إلّا في أرضها الصالحة، والعشق قيثارتي الأبدية وأنا عاشق لم يفرغ قلبي يوماً، ومع محمود درويش أردّد: لا أتذكر قلبي إلّا إذا شقّه الحب نصفين أو جفّ من عطش الحب.

 ما هي أحب الأشياء إلى نفسك؟

العدل والمساواة، فقد آمنت بهما كمتوالية مع روح الإخاء الإنسانية، وبقدر خصوصيتي فأنا جزء من عالم متنوّع، والخصوصية لا تفترض التحلّل من الروابط الإنسانية العامة.

إلى أين ستمضي؟ فقد خسرت الكثير في حياتك، فمتى تتوقف؟

سأواصل وحدي المشوار حتى لو توقفت القافلة عن المسير أو أضاعت الطريق ولن أشعر بالوحشة. حين أصل إلى غايتي أشعر بالفراغ، ولذلك أبحث عن الريح لتبقى الحركة، كثيرون ما زالوا يعيشون في الماضي، لأنهم لا يريدون مواجهة الحاضر، أما أنا فحتى في الماضي كنت أتطلّع إلى المستقبل. لم أعتد أن أبلع لساني وكانت لي آرائي واجتهاداتي باستمرار، أخطأت أم أصابت، فأنا مفطور على النقد. وقد أبدو شيوعياً من قماشة أخرى، وربما أقرب إلى الغرابة، لكن النور الداخلي سبيلي إلى هذا القضاء المحيّر.   

ماذا لو غابت العقلانية؟

العقلانية قيمة عليا وغيابها يعني حلول الجانب المظلم من الحياة، والاكتشافات العلمية منحت الفرص أكثر للبشر ليكونوا خيرين أو شريرين. ومقابل العقلانية يوجد نقيضها اللّاعقلانية (الشيء وضدّه) الأحاسيس والعواطف والأحلام والرغبات والصبوات يتم التعبير عنها من خلال الدين والجنس وسرديات التاريخ والأحلام، والضِدّ يُظْهِرُ حُسْنَهُ الضِدُّ. والطريق إلى العقلانية ليس واحداً وحسب ابن عربي «الطريق إلى الحقيقة تتعدّد بتعدّد السالكين»، وقد يصل الإنسان إليها بهزيمته أو كبوته، فيحاول معرفة أسبابها ويتعامل معها بروح نقدية ودون مكابرة، وينبغي التوقف عند الهزائم والانكسارات لأنها لا تمرّ سريعاً أما الانتصارات فغالباً ما تكون مؤقتة، وقد تقود العقلانية إلى نقيضها بثورة عنيفة لا عقلانية.

 ماذا عن الثورات؟

«الثورات» لا عقلانية حتى وإن كان هدفها الوصول إلى العقلانية. والسعي وراء العقلانية قد يفجّر موجة من اللّاعقلانية. اللّاعقلانية هي القاعدة في الدين والجنس والحرب والموسيقى والفن والسياسة، لكنها تولد نقيضها. وتنمو العقلانية في رحم اللّاعقلانية

من هم أعظم ثلاثة شعراء عرب معاصرين تربعوا على عرش الشعر؟

محمود درويش وأدونيس وسعدي يوسف

وماذا عن الجواهري؟

الجواهري مثّل الحلقة الذهبية الأخيرة في الشعر الكلاسيكي.

 أجدك كثير التأني وكثير التدقيق.. لماذا؟

الشجرة المُثمرة هي التي تطالها الحجارة، وهناك فرق بين وقفات التأمل النقدي والأحكام المتسرّعة

 كيف تمكنت من صياغة خطاب بلا ضغائن ولا اتهامات أو تخوين وأنت ابن الايديولوجيا؟

علينا الاعتراف بقانون النسبية، ونحن نخطئ ونصيب، لقد فعلت كل ما فعله أقراني من الماركسيين، لكنني لم أغلق أبوابي مطلقاً، وحاولت منذ وقت مبكّر أن أضع مسافة بيني وبينهم، وقد فضلت الوقوف في الفسحة النقدية، ولم أقصّر حتى في نقد نفسي، وقلت أكثر من مرة أنني أعتز حتى بأخطائي لأنها حميمية وهي جزء مني، فقد اجتهدت وأخطأت فـ «المجتهد إذا أصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد» حسبما ورد في الحديث النبوي الشريف، ومن لا يعمل لا يخطأ.

اترك تعليقًا

عرض
Drag