هل يمكن أن ينهض العراق بنخبة في ذيل القائمة؟
مقالات
صادق الازرقي
عند النظر الى مؤشر جودة النخبة Elite Quality Index (EQx) وهو مؤشر دولي لقياس جودة النخب السياسية والاقتصادية في دول العالم، احتل العراق لعام 2025 مرتبة متدنية في ذيل قائمة الدول.
اذ حصل العراق على المرتبة 146 من أصل 151 دولة، في مؤشر جودة النخبة، ويضع هذا الترتيب العراق ضمن أدنى المستويات عالميا وعربيا، ولم تتفوق عليه في رداءة وسوء نخبها الا السودان وهاييتي واليمن وسوريا وأفغانستان، على وفق المؤشر.
ويقيم المؤشر 151 دولة بناء على أربعة أبعاد رئيسة، القوة الاقتصادية، السلطة السياسية، القيمة الاقتصادية، والقيمة السياسية.
وتصدرت دول مثل سنغافورة، الولايات المتحدة الأمريكية، سويسرا، اليابان، وكوريا الجنوبية المراتب الأولى عالميا، كأحسن الدول في نخبها السياسية والاقتصادية؛ وعربيا، جاءت قطر في المرتبة الأولى عربيا والسادسة عالميا، تلتها الإمارات العربية المتحدة 20 عالميا، ثم المملكة العربية السعودية 57، فـالكويت 63، ثم المغرب 87)، تليها الأردن 101، فـمصر 102، ثم الجزائر 123، فـتونس 129، فيما حل العراق في المرتبة 146، وسوريا في المرتبة 147.
ويقيس مؤشر جودة النخبة مقدرة هذه النخب على خلق قيمة مستدامة للمجتمع بدلا من استغلال النفوذ لمصالحها الخاصة، ويصدر سنويا عن جامعة سانت غالين، وهي مؤسسة مرموقة وجامعة بحثية تقع في سويسرا متخصصة في إدارة الأعمال، اقتصاد، قانون، الشؤون الدولية، وعلوم الكومبيوتر.
من اهداف المؤشر تحديد مدى اسهام النخب السياسية والاقتصادية في التنمية المجتمعية، وإثارة نقاشات بناءة قائمة على الأدلة بشأن دور النخب في المجتمع ومساعدة الحكومات في توجيه برامجها نحو تطوير المؤسسات، وتشجيع نماذج الأعمال التي تولد قيمة حقيقية بدلا من البحث عن الامتيازات غير المنتجة.
ولا يقيس المؤشر الأفراد أو المجموعات المحددة من النخب بشكل مباشر، بل يقيس أداء النخب على المستوى الوطني بشكل إجمالي، ويحكم على الأنظمة بوساطة النتائج المتحققة.
يقدم المؤشر رؤية مختلفة عن المؤشرات التقليدية التي تركز على الناتج المحلي أو التعليم، بل يسلط الضوء على العلاقة بين النفوذ السياسي والاقتصادي وبين خلق القيمة أو استخلاصها، ويساعد في فهم ما إذا كانت النخب تستغل قوتها لتحقيق منافع جماعية للناس، أم لمجرد تحقيق مصالح شخصية.
يشير الترتيب المتدني للعراق في مؤشر جودة النخبة إلى فشل النخبة الحاكمة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية، في خلق قيمة مستدامة للمجتمع.
ويكمن السبب الأساسي وراء انخفاض جودة النخبة العراقية وهذا التدهور في الفساد المستشري والمحسوبية، التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من هيكل الدولة، بحسب المؤشر.
وبحسب المقاييس، ان الفساد في العراق مشكلة مركزيةcorruption is a central problem in Iraq
وهو واسع النطاق، حيث تُستخدم مناصب الدولة لخدمة مصالح شخصية وحزبية بدلا من المصلحة العامة؛ أدى هذا الفساد إلى تدهور الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، وفشل في جذب الاستثمارات الأجنبية، وتبديد الثروات الوطنية.
كما تفيد المؤشرات ان السياسة الطائفية والانقسامات النخبوية تشكل قضية رئيسة في العراق sectarian politics and elite divisions are a major issue
لذلك أصبح نظام المحاصصة السياسية القائم على أساس عرقي وطائفي يمنع وصول الكفاءات إلى المناصب القيادية؛ وبدلا من ذلك، توزع المناصب على أساس الولاءات الحزبية والمذهبية، مما يكرس انعدام الكفاءة ويضعف مؤسسات الدولة، بحسب المقاييس.
كما تغيب المساءلة lack of accountability ولا تتواجد آليات فعالة لمحاسبة النخب على أدائها أو على الفساد، مما يتيح لهم الإفلات من العقاب والاستمرار في استغلال موارد الدولة، هذا يؤدي إلى حالة من الإحباط وفقدان الثقة لدى المواطنين.
كما يوجد فشل في التخطيط للمستقبل failure to plan for the future والنخب في العراق تركز بشكل كبير على تحقيق مكاسب آنية، وتهمل التخطيط لمشاريع التنمية المستدامة، مما يؤدي إلى تراجع في مؤشرات مثل جودة التعليم والبيئة والابتكار، ويعكس تدهورا في “خلق القيمة للأجيال المقبلة“.
وللخروج من التصنيف المتدني، فان العراق به حاجة إلى إصلاحات هيكلية عميقة وفورية، ترتكز على مكافحة الفساد وبناء دولة المؤسسات بدلا من دولة المحاصصة، فالفساد هو الآفة الرئيسة التي تضعف النخب العراقية وتعرقل التنمية.
ويجب أن تُمنح هيئة النزاهة استقلالية حقيقية وسلطات واسعة لمحاسبة المسؤولين الفاسدين، بغض النظر عن مناصبهم أو انتماءاتهم الحزبية، ويتوجب سن قوانين صارمة لمكافحة الفساد، بما في ذلك قانون “من أين لك هذا؟” الذي يطالب المسؤولين بالإفصاح عن مصادر ثرواتهم، و فرض الشفافية في العقود الحكومية والمناقصات والميزانيات، ونشرها على منصات إلكترونية لتكون متاحة للجمهور.
ويجب أن تتحول الدولة من نظام المحاصصة إلى نظام يقوم على الكفاءة، بإنهاء نظام المحاصصة الطائفية في توزيع المناصب، واعتماد مبدأ الكفاءة والجدارة في التعيينات، بخاصة في المناصب السيادية والقيادية.
ومن الضروري تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي عبر تبسيط الإجراءات، وتوفير بيئة أعمال آمنة، وتقليل البيروقراطية؛ هذا سيعزز التنافسية ويقلل الاعتماد على النفط.
ويتوجب تفعيل الحكم الإلكتروني (E-Government) باستغلال التكنولوجيا في المعاملات الحكومية لتقليل التفاعل المباشر بين الموظف والمراجع، مما يحد من فرص الفساد.
ان النخب القوية تبنى على أساس مؤسسات راسخة، لا على شخصيات متنفذة، ويجب ضمان استقلالية القضاء بشكل كامل عن التدخلات السياسية؛ ليكون قادرا على تطبيق القانون بصرامة على الجميع، ودعم المؤسسات الرقابية مثل ديوان الرقابة المالية، وتزويدها بالصلاحيات المطلوبة للتدقيق ومحاسبة الجهات الحكومية على الأداء المالي؛ و منح المجتمع المدني والإعلام استقلالية في الرقابة ونشر الحقائق، وحماية الصحفيين والمبلغين عن الفساد.
