الولايات المتحدة الأمريكية بين الحزبين…. وحدة الهدف واختلاف الآليات
مقالات
أ. د. محمد طاقة
تشهد الولايات المتحدة الأمريكية هيمنة ثنائية حزبية واضحة، تتمثل في الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري. ورغم ما يبدو من تنافس (ديمقراطي) على السلطة، فان الحزبين في جوهرهما وجهان لعملة واحدة، يتفقان على الاستراتيجيات الكبرى، ويسعيان معاً لتحقيق اهداف واشنطن في الهيمنة الاقتصادية والسياسية على العالم،مستخدمين ما يسمى بالعولمة، التي تمثل في حقيقتها اداة فكرية لتكريس النفوذ الأمريكي.ومع ذلك، فان الخلافات بين الحزبين لا تخفي تماماً، بل تبرز في الآليات والتفاصيل، سواءً في السياسة او الاقتصاد او حتى القيم الاخلاقية والاجتماعية.
فعلى الصعيد السياسي، يختلف الحزبان حول طريقة التعامل مع بعض الملفات الدولية. ففيما يتعلق بايران، سعى الديمقراطيون بقيادة باراك اوباما ثم جو بايدن إلى إبرام الاتفاق النووي عام (2015) كوسيلة دبلوماسية لتقييد النشاط النووي الإيراني، بينما انسحب الجمهوريون بقيادة دونالد ترامب من الاتفاق عام (2018) وفرضو عقوبات مشددة، مؤكدين رفضهم امتلاك ايران السلاح النووي، ومعارضتهم توسعها في المنطقة. اما في ملف الصين وروسيا فان الديمقراطيين يفضلون المواجه عبر التحالفات الدولية والضغط بالعقوبات، في حين يميل الجمهوريون إلى خطاب اكثر حدة يقوم على المواجهة المباشرة سياسياً واقتصادياً. وعلى المستوى الاقتصادي، يظهر التباين واضحاً في مسألة الضرائب والتامين الصحي، فالديمقراطيون يطرحون ضرائب أعلى على الأثرياء والشركات الكبرى لتمويل برامج الرعاية الصحية والتعليمية، بينما يصر الجمهوريون على تخفيض الضرائب باعتبارها وسيلة لتحفيز الاستثمار والنمو، كذلك، تبنى الديمقراطيون مشروع (اوباما كير ) لتوسيع مظلة التامين الصحي للفئات الفقيرة والمتوسطة، في حين عارض الجمهوريون هذا المشروع بشدة وعدّوه عبئا ًعلى الاقتصاد ومساساً بحرية السوق.
اما على الصعيد الاخلاقي والاجتماعي، فقد تجلت الخلافات في قضايا حساسة مثل حقوق المثليين، أذ يدعم الديمقراطيون المساواة في الحقوق المدنية بما فيها الاعتراف بزواج المثليين قانونياً، بينما يقف معظم الجمهوريون ضد ذلك انطلاقاً من موقف محافظ يستند إلى المرجعية الدينية والاجتماعية. كذلك يبرز الخلاف حول الإجهاض، فالديموقراطيون يدافعون عن حق المرأة في الاختيار، بينما يتبنى الجمهوريون مواقف اكثر تشدداً تقيد الحق. وفي ملف الهجرة، ينادي الديمقراطيون بانفتاح اكبر ومنح المهاجرين فرصاً قانونية للإقامة والعمل. في حين تبنى الجمهوريون، وخاصة في عهد دونالد ترامب، سياسة متشددة وصلت إلى مشروع بناء جدار على الحدود مع المكسيك. ان هذه الأمثلة تُبين ان اختلاف الحزبين لا يمس الخطوط العريضة للسياسة الأمريكية العالمية، بل يقتصر على تفاصيل وآليات التنفيذ. وهو ما يجعل من موقف ترامب تجاه ايران مثالاً واضحاً يمكن للعرب استثماره. فرفضه للتوسع الإيراني ومعارضته لامتلاك طهران السلاح النووي، وإن كان بدافع المصلحة الأمريكية، إلا انه يصب موضوعياً في صالحنا. ومن هنا تبرز ضرورة توظيف هذا التباين لصالح مشروع التغيير في العراق، والسعي للتخلص من الهيمنة الإيرانية ومليشياتها التي تتحكم بمفاصل الحكم فيه.
ان قراءة السياسة الامريكية بوعي لا تعني الانخداع بالشعارات، بل استثمار التناقضات بين الحزبين بما يخدم قضايانا.
فإذا كان الديمقراطيون والجمهوريون معاً يسعون وراء مصلحتهم في فرض الهيمنة، فعلينا نحن العرب ان نضع مصالحنا فوق كل اعتبار، وان نستغل كل فرصة لتخفيف وطأة التدخلات الاجنبية، وعلى رأسها الهيمنة الإيرانية في العراق والمنطقة، فالرهان الحقيقي ليس على واشنطن، بل على وعينا كأمة وقدرتنا على تحويل اي تغيير في المواقف الدولية إلى قوة دفع تخدم استقلالنا وسيادتنا.
