تجنباً لخيار “الحياة والموت”.. العراقيون قد يفقدون نعمة مكيف الهواء والأمل الأخير بالخليج
تقارير
يتضاعف الطلب على الكهرباء في الشرق الأوسط، وعلى رأسها العراق، ما ينذر بتفاقم الاضطرابات الاجتماعية والسياسية حيث أن الحكومات التي ليس بإمكانها تأمين مصدر موثوق للكهرباء لتشغيل أجهزة التبريد التي هي خلال موسم الصيف بمثابة خيار بين الحياة والموت، وتحلية المياه وابقاء الاضواء متقدة، تجازف بخسارة شرعيتها أمام الناس.
إلا أن صحيفة “ذا ناشيونال” تقترح توسيع دور دول الخليج في الربط الكهربائي مع الدول المتعثرة كهربائياً في المنطقة لمعالجة التحديات.
وأشار تقرير الصحيفة، الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، إلى أنه في الدول التي تتوفر فيها الكهرباء طوال الوقت، فإن تشغيل الضوء، أو طهي وجبة ساخنة، أو الاستمتاع بتبريد الهواء، تعتبر من الأمور الطبيعية، بخلاف الدول التي يتم تقنين الكهرباء فيها أو أن كلفتها تكون عالية، أو تكون باهظة الثمن، أو غير متوفرة لفترات طويلة، حيث يتسبب النقص الكهربائي فيها بتفاقم سلسلة من المشاكل الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية الأخرى.
وأوضح أنه من دون كهرباء موثوقة، فان التعثر يصيب المؤسسات المهمة مثل المستشفيات ومحطات معالجة المياه، والاتصالات، مضيفاً أنه عندما ترتفع كلفة الطاقة، فإن أسعار كل شيء تتزايد، من النقل إلى السلع الاساسية، وهو ما يولد الاحباط واحياناً الاضطرابات، مشيراً إلى أن الصناعات تتباطأ او تتوقف في ظل انقطاعات الكهرباء، ما يفاقم البطالة والفقر.
وأضاف التقرير، أن “الأكثر ضرراً من ذلك يتمثل في أن الفشل في ضمان توفير الطاقة بشكل منتظم، يقوّض ثقة الناس في الحكومة، لأن السلطات التي ليس بإمكانها حتى إبقاء الأضواء مضاءة، تجازف بخسارة شرعيتها”، مبيناً أن “العديد من دول الشرق الاوسط عانت من هذا التأثير المتتالي، حيث أن الدول التي تعاني من الصراعات أو الخارجة من الحروب هي الأكثر تضرراً، وأن سوريا والعراق ولبنان واليمن والسودان هم بين الدول المتضررة“.
وبشأن العراق تحديداً، قال التقرير، إنه بعد أكثر من 20 عاماً على الحرب التي أطاحت بنظام صدام حسين، فان البلد ما يزال من دون إمدادات طاقة ثابتة، مذكراً بأن مدينة البصرة الغنية بالنفط، شهدت في آب/أغسطس 2022، أياماً من احتجاجات الغضب بعدما تسببت أعطال خطوط الكهرباء و حريق في محطة كهرباء في انقطاع التيار وسط درجات حرارة بلغت 50 درجة مئوية.
كما قدم التقرير، لبنان كمثال آخر، حيث أوضح أن انقطاع الكهرباء المتقطع لسنوات، أدى إلى الاعتماد على مولدات خاصة ملوثة للبيئة، وهو ما من شأنه تعزيز جماعات إجرامية تتكسب من الوقود في السوق السوداء.
ونبه إلى أن هذه المشاكل ستزداد سوءاً، لافتاً إلى تقرير جديد صادر عن وكالة الطاقة الدولية، يكشف عن تضاعف الطلب على الكهرباء في الشرق الاوسط وشمال افريقيا 3 مرات منذ العام 2000، في حين أنه من المتوقع أن يرتفع بنسبة 50% بحلول العام 2035، وذلك بسبب النمو السكاني المتسارع، والتوسع الحضري، والنمو الصناعي.
ونقل التقرير عن المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية الدكتور فاتح بيرول، قوله إن “الجميع يتحدثون عن الصين والهند كمركز لنمو الطلب العالمي على الكهرباء، إلا أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعتبران نقطة مجهولة في هذه النقاشات“.
واستطرد قائلاً إن “الرواية التي يقدمها تقرير وكالة الطاقة الدولية، تمثل قصة منطقتين، حيث أن هناك دولاً في الخليج التي تستثمر المليارات في مصادر طاقة موثوقة ومتجددة مثل الطاقة النووية، ومزارع الرياح، ومحطات الطاقة الشمسية، والغاز، بينما هناك المفاعلات النووية قيد الانشاء في مصر وإيران، لكن القصة الثانية تتعلق بالدول التي تواجه تحديات مختلفة فيما يتعلق بتوفير الطاقة لتلبية الطلب المتزايد“.
وعاد التقرير، إلى تناول العراق حيث قال إن “تقديرات وكالة الطاقة الدولية ان النقص في الطاقة في العراق بين عامي 2014 و2020 وحده كلف الاقتصاد أكثر من 95 مليار دولار“.
أما في سوريا، بحسب التقرير، فقد انخفضت القدرة على توليد الطاقة المتاحة في العام 2022 إلى 38% فقط من مستويات ما قبل الحرب فيها، وهو أقل بكثير ما يحتاجه البلد، بينما في ليبيا المتضررة من النزاعات، فقد عانت من مشاكل مشابهة مع انخفاض قدرة توليد الطاقة إلى النصف خلال الحرب الأهلية.
ولهذا، خلص التقرير، بالقول إلى أنه بإمكان الدول التي تمتلك قدرات عالية في توليد ونقل الكهرباء أن تخلق فرقاً، موضحاً أن العراق على سبيل المثال الذي لديه اتفاق مع جيرانه في الخليج لاستيراد الكهرباء عبر هيئة الربط الكهربائي التابعة لمجلس التعاون الخليجي، معتبراً أن توسيع مثل هذا الاتفاق بإمكانه أن يدعم البلدان الاخرى التي تحاول تأمين إمدادات الطاقة لاقتصاداتها ومواطنيها.
ووفقاً للتقرير، فإن بإمكان هذه الحلول التكنوقراطية طويلة المدى، ان تحل مكان الجهود المؤقتة كاستخدام العراق لبواخر الطاقة، التي تؤمن الكهرباء لأسابيع فقط، وليس لسنوات.
وتابع: “في ظل ارتفاع درجات الحرارة في العالم، فإن الشرق الأوسط أصبح في الخط الأمامي للاحتباس الحراري العالمي”، مؤكداً أنه “بدون توفر مصدر موثوق للكهرباء لتشغيل أجهزة التبريد وتحلية المياه، فإن الفئات السكانية الهشة ستعاني“.
وختم التقرير، حديثه بالقول إن “الحلول موجودة ضمن تقرير وكالة الطاقة الدولية، مثل توسيع خيارات الطاقة المتجددة، وتطوير الشبكات للتعامل مع الأحمال المتزايدة، والاستثمار في مرافق تخزين الطاقة”، منوها الى أنها تمثل افكاراً جديرة بالاهتمام، إلا أن الأمر متروك للدول الرائدة بهذا المجال في المنطقة، للعمل بالشراكة مع الدول التي تكافح للوصول الى المرحلة التي لا يكون فيها تشغيل تكييف الهواء في الصيف، خيارا بين الحياة والموت.
