Skip links

نتائج الضربة الإسرائيلية للدوحة: قراءة في الفرص والتحديات

مقالات

الشيخ محمد عبدالعزيز الخزاعي

لم تكن الضربة الإسرائيلية للدوحة مجرد خرق أمني خطير أو عدوان على دولة عربية مستقلة، بل هي مؤشر على حجم الانفلات الاستراتيجي في المنطقة، وغياب التوازن الذي يسمح لإسرائيل بالتصرف وكأنها فوق القانون. لكن وسط هذا التهديد تبرز فرصة حقيقية لتغيير قواعد اللعبة إذا ما استوعب اللاعبون الرئيسيون – إيران، تركيا، والولايات المتحدة – دروس ما جرى.

ضرورة التضامن العربي مع قطر

في مواجهة هذا الاعتداء، يجب على الدول العربية أن تقف مع قطر حكومةً وشعبًا؛ فلا يجوز تركها تحارب وحدها. التضامن مع الدوحة اليوم ليس خيارًا أخلاقيًا فحسب، بل هو استثمار في حماية الأمن القومي العربي ومنع أي تصعيد يهدد استقرار المنطقة. ويتجلى هذا التضامن عبر خطوات عملية ملموسة:

                •              على الصعيد الدبلوماسي: تنسيق المواقف داخل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ورفع القضية أمام الأمم المتحدة ومجلس الأمن لإدانة الاعتداء.

                •              على الصعيد الاقتصادي: فتح مجالات الدعم والتعاون مع قطر، ومنع أي حصار أو ضغوط اقتصادية قد تُفرض عليها نتيجة مواقفها.

                •              على الصعيد الأمني: تعزيز التعاون الدفاعي والاستخباري العربي لحماية العواصم من أي اعتداء مشابه مستقبلاً.

إن وقوف العرب مع قطر اليوم هو وقوف مع أنفسهم، لأن أي استهداف لدوحة الغد قد يكون مقدمة لاستهداف عاصمة عربية أخرى.

إيران: نحو مصالحة تاريخية مع العرب

إيران تجد نفسها اليوم أمام استحقاق مصيري. فخطاب “تصدير الثورة” الذي رفعته في الثمانينات خلق فجوة عميقة بينها وبين محيطها العربي. وإذا أرادت أن تُعيد بناء الثقة، فعليها الانتقال من الأقوال إلى الأفعال. وأبرز هذه الأفعال:

                •              إعادة الجزر الثلاث (طنب الكبرى، طنب الصغرى، وأبو موسى) إلى الإمارات، وهو ملف يعود إلى عام 1971 يوم انسحاب بريطانيا من الخليج.

                •              التعامل مع العرب الأحوازيين كمواطنين كاملي الحقوق، في ظل تنمية متوازنة.

                •              التوقف عن دعم المليشيات الخارجة عن القانون في العراق، وترك مؤسسات الدولة تبسط سيادتها.

بهذا وحده يمكن لإيران أن تتحول من قوة موصوفة بالتدخل إلى قوة تحظى بالاحترام العربي والدولي.

تركيا: بين الطموح والواقع

تركيا كذلك أمام خيار واضح: إما البقاء أسيرة نزعة التوسع، أو التحول إلى شريك استراتيجي يحترم جيرانه. ولكي تكسب ود العرب عليها أن تقدم تنازلات واقعية، من بينها:

                •              الخروج من العراق وتسليم القواعد العسكرية للجيش العراقي، بما ينهي إرث التدخل العسكري الممتد منذ التسعينات.

                •              منع تهريب النفط عبر الأحزاب الكردية، وإعادة ضبط العلاقة مع بغداد على أساس الشفافية.

                •              إطلاق الحصة المائية المتفق عليها للعراق وفق بروتوكول 1987 وما تبعه من اتفاقيات، احترامًا للقوانين الدولية.

                •              المساهمة في منع إسرائيل من تقطيع أوصال سوريا عبر تفاهمات مشبوهة.

هذه الخطوات كفيلة بإعادة صياغة صورة تركيا في الوعي العربي.

الولايات المتحدة: اختبار المصداقية

أما واشنطن، فهي تتحمل مسؤولية مباشرة عن سلوك إسرائيل في المنطقة. ولا يمكنها أن تتحدث عن “السلام” بينما تغطي جرائم الاحتلال. ولعل أهم ما يمكنها فعله اليوم هو:

                •              رفع الحصار غير الأخلاقي وغير القانوني عن غزة، وهو حصار مستمر منذ عام 2007.

                •              التخلي عن دعم حكومة نتنياهو التي تجاوزت كل حدود المنطق السياسي.

                •              الاعتراف العملي بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، استنادًا إلى قرارات الأمم المتحدة منذ 1947، كشرط ضروري لتحقيق استقرار حقيقي في المنطقة.

عندها فقط يمكن للولايات المتحدة أن تُعيد جزءًا من مصداقيتها المفقودة أمام شعوب المنطقة.

خاتمة

الضربة الإسرائيلية للدوحة كانت رسالة تهديد، لكنها في الوقت نفسه فتحت نافذة فرصة. إيران يمكن أن تعيد تعريف دورها عبر المصالحة، وتركيا يمكن أن تفتح صفحة جديدة مع العرب، وأمريكا تستطيع أن تبرهن أنها قادرة على أن تكون قوة عدل لا قوة انحياز.

المعادلة بسيطة: إمّا أن تستثمر هذه الأطراف الفرصة لصناعة استقرار جديد، وإمّا أن تبقى المنطقة رهينة للفوضى، يدفع ثمنها الأبرياء من شعوبنا.

اترك تعليقًا

عرض
Drag