Skip links

اهمية الدخل في حياة الانسان… صراع من اجل البقاء في عالم غير عادل

مقالات

أ. د. محمد طاقة

 يمثل الدخل حجر الزاوية في حياة الانسان، اذ لايمكن تخيل وجود ٍ كريم للفرد دون وسيلة مادية تضمن له تلبية احتياجاته الأساسية وتحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي. فالدخل لا يُمكِن الانسان فقط من العيش، بل يشكل مدخلاً نحو الكرامة الإنسانية، والمشاركة المجتمعية، وتكافؤ الفرص.

ومع ان الحق في العمل والحصول على دخل لائق قد كرس في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 23)، فان الواقع العالمي يكشف عن فجوة هائلة بين الحق النظري وممارسته الفعلية، خاصة في ظل نظام اقتصادي عالمي يكرس الفجوة الطبقية ويعيد انتاج الفقر.

الدخل هو ما يحصل عليه الفرد من اجر مقابل عمله أو من مصادر اخرى كالاستثمارات او دعم اجتماعي، وهو ليس مجرد اداة للعيش بل وسيلة لتحقيق الاستقرار المالي من خلال القدرة على توفير الاحتياجات اليومية والدخل يعمل على الاستقرار النفسي والاجتماعي، اذ يجنب الفرد الشعور بالقلق والقلة والعجز، والدخل يعمل على بناء الثروة والادخار بما يضمن مستقبلاً اكثر اماناً للأفراد والأسر. فضلاً عن تحقيق الرفاه الاقتصادي حيث يسهم الدخل الكافي في تحسين نوعية الحياة عبر  الصحة والتعليم والمشاركة الاجتماعية والثقافية.

تقر المواثيق الدولية بأن العمل اللائق مصدر أساسي للدخل، وان الحصول عليه حق من حقوق الانسان إلا ان ملايين البشر محرومون من هذا الحق في ظل نظام اقتصادي يربط العمل بالأرباح لا بالكرامة.

الدخل ليس واحداً لدى الجميع بل يتفاوت تفاوتاً هائلاً يحدد مستوى معيشة الأفراد. ان الدخل المنخفض (دون حد الكفاف) ويقدر عالمياً بمن يقل دخله عن (5 دولار يومياً).

وهو الحد الذي لا يتيح للفرد تأمين المأكل والمسكن والصحة والتعليم. وهنالك الدخل المتوسط الذي يتيح حياة كريمة نسبياً  دون رفاه ويقدر عالمياً بين (10-50 دولار يومياً)

حسب البلدان، اما الدخل المرتفع يسمح بالادخار والاستثمار والعيش في رفاهية مفرطة احياناً. الاختلاف بين من يملك دخلاً ومن لايملك، هو في جوهره الفرق بين الحياة والموت، أو بين الانسانية واللاانسانية. فالذي لا يملك دخلاً، لا يستطيع الحصول على الغذاء الكافي فيعيش تحت وطأة الجوع.

بحيث لا يمكنه العلاج، فيترك للأمراض تنهش جسده، لا تعليم فيعيش في الجهل . ويقصى

من سوق العمل، ويترك فريسة للعوز والتهميش. وتظهر التقارير ان اكثر من (60%‎) من سكان القارة الأفريقية يعيشون تحت خط الفقر، وكذلك اكثر من (30%‎) من دول جنوب اسيا والشرق الاوسط. مما يعني ان مئات الملايين يعيشون في ظروف إنسانية كارثية، ومن نتائج كل ذلك، تفشي الجريمة نتيجة العوز، واليأس، ويكثر الفساد كنتيجة لغياب فرص العيش الكريم. وتزداد الامية والتخلف يوماً بعد يوم بسبب ضعف التعليم، ومن نتائج ذلك أيضاً انهيار النسيج الاجتماعي وتآكل الشعور بالكرامة.

رغم التقدم التكنولوجي والوفرة العالمية من السلع والخدمات، إلا ان الفقراء يزدادون يوماً بعد يوم، حيث تشير تقارير منظمة أوكسفام 

(OXFAM) إلى ان أغنى  (1%‎) من سكان العالم يملكون اكثر من نصف الثروة العالمية.

بينما نصف سكان الارض لا يملكون سوى (2%‎) فقط من هذه الثروات.

هذه الفجوة ليست عارضة، بل ناتجة عن توزيع غير عادل للدخل والثروات، وعن نظام اقتصادي يعييد انتاج الهيمنة الطبقية. الصراع الطبقي لن ينتهي كما بشر البعض، بل تزداد حدته، فكلما ارتفعت أرباح الطبقة الرأسمالية، ازدادت البطالة والفقر بين الطبقات المسحوقة.

مما تقدم اصبح واضحاً  نحن نعيش وسط عالم غير عادل. حيث عدد سكان العالم تجاوز (8) مليار نسمة والذين يعيشون من دون دخل ثابت، يقدر عدد العاطلين عن العمل ب اكثر من (430) مليون شخص عالمياً  وفق بيانات منظمة العمل الدولية لعام (2024). ومن الذين يعيشون باقل من (7) دولارات يومياً يتجاوزون (4) مليارات شخص. ومن يعيشون في فقر مدقع اكثر من (700) مليون شخص في المقابل، هناك أقلية مرهفة تعيش في عالم من الترف، تستحوذ على الثروة والقرار، وتتمتع برفاهية لا يمكن تخيلها بالنسبة لأغلبية البشر ، حيث يبلغ متوسط دخل الفرد في دول مثل لوكسمبورغ أو النرويج اكثر من (100) دولار يومياً، اي ما يعادل دخل شهر كامل لفقراء دول الجنوب، لذلك نحن بحاجة إلى منظومة اقتصادية عالمية جديدة، كون المنظومة الدولية الحالية، التي تهيمن عليها الرأسمالية المعولمة لا تسعى إلى تحقيق العدالة، بل إلى تكريس الاستغلال. الشركات متعددة الجنسيات، والبنوك الكبرى، وصناديق الاستثمار مثل (بلاك روك) و (فانغارد) تتحكمان في اكثر من نصف الاقتصاد العالمي  بينما تعاني الدول الفقيرة من الديون والتبعية والانكماش، هذه المنظومة ترسخ الفوارق الطبقية وتغذي الصراعات عبر الحروب والتدخلات وتهمل حقوق الإنسان الأساسية مثل التعليم والصحة والعمل،

فالحق في الدخل ليس رفاهية، بل ضرورة وجودية، ومن دون دخل لائق، لا يمكن الحديث عن إنسانية الإنسان ولا عن كرامته.

الدخل ليس رقم حساب مصرفي، بل هو التعبير المادي عن حق الإنسان في الحياة بكرامة وحرية، وفي عالم تتعمق فيه الفوارق الاجتماعية وتزداد فيه أعداد الفقراء والجوعى يصبح من واجب كل القوى الخيرة، وكل منظمات المجتمع المدني، ان تناضل من اجل اعادة النظر في النظام العالمي الحالي وإقامة نظام دولي جديد اكثر عدلاً وانسانية.

عمان

في  9/9/2025

اترك تعليقًا

عرض
Drag