“العراق لا يستحقها”.. تقرير أمريكي يكشف الأهداف السياسية خلف تعريفات ترامب الجمركية
تقارير
تساءل موقع “ريل كلير وورلد” الأمريكي عن سبب توجيه الولايات المتحدة ضربة للعراق من خلال فرض التعريفات الجمركية، مؤكداً أن الأدلة تشير إلى أن هذه الخطوة لا تستند على منطق اقتصادي، وإنما لها دوافع سياسية، من بينها دفع بغداد نحو “الاتفاقات الإبراهيمية” وابعادها أيضا عن الصين والحد من النفوذ الإيراني.
وأشار التقرير الأمريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان أعلن خلال شهر تموز/يوليو الماضي عن موجة من التهديدات الجمركية على 14 دولة بما في ذلك الحلفاء مثل اليابان وكوريا الجنوبية، للضغط عليهم من أجل إبرام صفقات تجارية جديدة أو مواجهة رسوم تصل الى 40٪، وهي تهديدات توسعت لاحقا لتطال دور مصدر للطاقة مثل ليبيا والجزائر والعراق، على الرغم من تواضع علاقاتهم التجارية مع الولايات المتحدة.
وتابع التقرير أن العراق يبدو للوهلة الأولى كأنه ليس هدفا محتملا، حيث تشير الأرقام الأمريكية إلى أنه خلال العام 2024، بلغت صادرات السلع الأمريكية إلى العراق 1.7 مليار دولار، بينما بلغت الواردات من العراق (التي تتكون من النفط الخام والمكرر) 7.5 مليارات دولار، وهو ما يعني عجزاً في تجارة السلع الأمريكية قدره 5.9 مليار دولار.
وأضاف التقرير أن صادرات الخدمات الأمريكية بلغت في العام الماضي، 2.2 مليار دولار، بينما بلغت واردات الخدمات من العراق 532 مليون دولار، مقابل فائض تجاري للخدمات قدره 1.7 مليار دولار.
ولهذا، رأى التقرير أنه من الواضح أن العراق ليس منافسا اقتصاديا للولايات المتحدة، وهو دولة تكافح مع الظل الطويل للحرب والعقوبات والفساد، وهو ما اسمته “مؤسسة بروكينغز” الأميركية للابحاث بانه بمثابة “الإرث المنسي لغزو العراق“.

وتساءل التقرير قائلا إنه في ظل حدوث الغزو الأمريكي للعراق بالاستناد إلى معلومات خاطئة، وإعادة الإعمار التي جرت إدارتها بشكل سيء بعد الغزو، وعملية الانسحاب العسكرية المتسرعة في العام 2011، وهو كله ما ساهم في نشوء الوضع المزعج في العراق حاليا، فلماذا يتم استهداف بغداد بالتعريفات الجمركية؟
وأوضح التقرير أن هناك القليل من الأدلة على أن هذه الخطوة تستند على المنطق الاقتصادي، مضيفا أن هناك دوافع سياسية، حيث أن ترامب ربما يحاول:
–أن يضغط على العراق للانضمام إلى “الاتفاقات الابراهيمية” وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، على الرغم من أن مجلس النواب العراقي حظر التطبيع في العام 2022.
–إبعاد العراق عن الصين التي هي الشريك التجاري الأكبر للعراق، وبالتالي تقليص النفوذ الصيني.
–تقريب العراق من التكتلات التي تقودها الولايات المتحدة، حيث أن العراق حاليا “شريك حواري” في منظمة شنغهاي للتعاون، إلا أنه ليس عضوا في مجموعة “بريكس”، مشيراً إلى أن تعريفات ترامب قد تجعل العراق يراجع موقفه.
–الحد من النفوذ الإيراني من خلال استهداف ومعاقبة مؤسسات مثل الحشد الشعبي، بالإضافة إلى نواب عراقيين يفترض أنهم من المؤيدين لإيران، إلى جانب وزارتي النفط والمالية والقطاع المصرفي.
–عرقلة الجهود مثل “مذكرة التفاهم الأمني المشتركة” بين إيران والعراق.
–دعم شخصية سياسية عراقية معينة، على غرار استخدام ترامب التعريفات الجمركية ضد البرازيل لوقف ملاحقة الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو، حليف ترامب.
–ترامب يحاول وضع خطوة سابقة لخطوات مشابهة تجاه تركيا، الحليف في “الناتو”، وأصدقاء الولايات المتحدة الآخرين في المنطقة، مثل الإمارات والأردن والكويت وباكستان وقطر والمملكة السعودية.
–تعزيز الدعم من قاعدته الشعبية المحلية من خلال القول إن أمريكا ” يتم استغلالها“.
وبناء على ذلك، يقول التقرير إنه برغم أن هذه الاستراتيجيات ليست جديدة، إلا أنها حافلة بالمخاطر، مضيفاً أن الأكثر إثارة للقلق هو التوقيت، حيث أن العراق يتوجه نحو الانتخابات في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، مشيراً إلى أن التحالف الانتخابي المعقد لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني يشمل رئيس هيئة الحشد الشعبي، مضيفاً أنه بالإمكان تفسير الإجراءات الأمريكية ضد الحشد الشعبي والاقتصاد العراقي، على أنها خدعة هدفها اضعاف السوداني.

وفي حين ذكر التقرير بأن السوداني الذي التقى الرئيس السابق جو بايدن في العام 2024، كان حدد أولوياته باستعادة الثقة في المؤسسات العراقية ومحاولة رفع مستوى العلاقة الأمريكية – العراقية بما يتخطى التعاون الأمني، والتأكيد على أهمية الاستثمار الاقتصادي وتبادل التعليم وتقوية القطاع الخاص لكي تلعب دورا أكبر في العلاقات الثنائية، إلا أن التقرير قال إن ترامب، وبدلا من تعزيز هذه الرؤية، فإن تصرفاته تشير إلى نهج مختلف من خلال العقوبات وفقدان صبر، وعدم حساسيته للديناميكيات العراقية المحلية.
ولفت التقرير إلى أن هذه الأنماط من الرسائل تشكل مجازفة بابعاد المعتدلين، وتقوية المتشددين، والتشكيك في الثقة بأمريكا كشريك طويل.
وبعد الإشارة إلى استمرار غياب وجود سفير أمريكي في بغداد منذ كانون الأول/ديسمبر 2024، وهو غياب وصفه التقرير بأنه “يوجه إشارة خاطئة في الوقت الخطأ”، قال التقرير إنه عوضا عن فرض عقوبات اقتصادية على أحد شركاء أمريكا الأكثر أهمية استراتيجيا في الشرق الأوسط، فإن الوقت قد حان الآن لشكل مختلف من الدبلوماسية، يكون قائما على الاحترام المتبادل والأهداف المشتركة والفهم الواضح للتعقيد الإقليمي.
واعتبر التقرير أن “العراق لا يستحق تهديدات بل محادثة جادة حول التجارة والتنمية والتعليم والتعاون في مجال الطاقة، وكيفية تشكيل بلدين لهما ماض مضطرب، مستقبل مستقبلا استقرارا”، مضيفا أنه في منطقة حافلة ببؤر الاشتعال، فإن العراق لا يزال أحد الأماكن القليلة التي لا تزال الدبلوماسية الأمريكية مهمة فيها، في استثمرت واشنطن فيها بحكمة.
وبعدما لفت التقرير إلى تصريح السوداني بأن لقاء بين الولايات المتحدة والعراق سيعقد في نهاية العام 2025 “لترتيب العلاقة الامنية الثنائية” ودفع العلاقات الاقتصادية بينهما، قال التقرير إن الاجتماع مع ترامب يمثل فرصة للسوداني لكي يسلط الضوء على أن العمليات الأمنية للحكومة العراقية تساهم في الحد من الصراع في كل أنحاء المنطقة من خلال إحباط 29 محاولة لهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ على إسرائيل من قبل الفصائل المحلية، ومؤخرا، وعرقلة مؤامرة داعش مؤخرا لاستهداف الزوار في مدينة كربلاء.
ونبّه التقرير الى أن “الشهور المقبلة ستكون اختبارا، ليس للعراق فقط، وإنما أيضاً للولايات المتحدة“.
وتابع قائلاً إن التساؤل لا يتعلق بما اذا كان بمقدور الولايات المتحدة استخدام التعريفات الجمركية لإكراه الشركاء الأضعف، وهو شيء بمتناولها، وإنما ما إذا كان بمقدورها أن تكون قدوة عندما يكون الأمر بهذه الأهمية.
