الشباب هم ثروة البلاد وأمل التغيير
مقالات
مشتاق الربيعي
منذ أكثر من عقدين والعراق يعيش سلسلة من الإخفاقات السياسية والإدارية التي انعكست بشكل مباشر على حياة المواطنين. هذه الإخفاقات لم تكن وليدة الصدفة، بل جاءت نتيجة تراكمات لسوء الإدارة، والصراعات الحزبية الضيقة، وتغليب المصالح الشخصية على المصلحة الوطنية العليا. وقد كان ثمنها باهظًا، دفعه الشعب العراقي من أمنه واستقراره وفرص تطوره.
لقد اعترف معظم القيادات السياسية، عبر وسائل الإعلام المختلفة، بفشلهم في إدارة الدولة وتحقيق تطلعات الشعب. وهذا الاعتراف بحد ذاته يفتح الباب أمام ضرورة التغيير الجذري في البيت السياسي العراقي. والتغيير لن يتحقق باليأس أو بالمقاطعة، وإنما عبر المشاركة الواسعة والمسؤولة في الانتخابات، لاختيار الأكفأ والأجدر بتمثيل صوت الناس وإرادتهم الحرة.
اليوم يمتلك العراق ثروة عظيمة لا تقل قيمة عن النفط والمياه والأرض، بل تفوقها جميعًا: ثروة الشباب. هؤلاء الشباب الذين يشكّلون النسبة الأكبر من المجتمع العراقي، يتميزون بالوعي الوطني العالي، وبقدرة استثنائية على التكيّف مع متطلبات العصر، ويمتلكون من الطاقات والإمكانات ما يجعلهم العمود الفقري لأي مشروع إصلاحي حقيقي.
لقد أثبت شباب العراق، في مختلف الميادين، أنهم قادرون على صناعة الفارق؛ فكانوا في الصفوف الأمامية عندما احتاجهم الوطن في مواجهة التحديات الأمنية والإرهابية، وبرزوا كقوة فاعلة في ميادين العلم والثقافة والإبداع والابتكار. كما أن تجربة الاحتجاجات الشعبية التي قادها الشباب أظهرت مدى وعيهم، وإصرارهم على بناء دولة عادلة تضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار.
من هنا، فإن انتخاب هذه النخبة الشبابية الواعية ليس مجرد خيار سياسي عابر، بل هو واجب وطني وأخلاقي وأدبي. فالمشاركة الواسعة في الانتخابات هي الطريق الأوحد لإحداث التغيير الحقيقي. أما المقاطعة، فقد أثبتت التجارب السابقة أنها غير مجدية على الإطلاق، إذ لم تؤدِّ إلا إلى استمرار الوجوه نفسها، وتكرار الفشل ذاته، وترك المجال مفتوحًا أمام من لا يمثلون تطلعات الشعب.
إن العراق بحاجة اليوم إلى ضخ دماء جديدة في جسد العملية السياسية، وإلى فتح المجال أمام جيل جديد يتحلى بروح المسؤولية، وينظر إلى السياسة باعتبارها خدمة عامة لا وسيلة للثراء أو النفوذ. الشباب هم الأقدر على تقديم رؤى إصلاحية عميقة، وعلى إعادة ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها، لأنهم جزء حيّ من المجتمع، ويدركون حجم المعاناة والتحديات التي يواجهها العراقي يوميًا.
فلنمنح هذه الثروة الوطنية العظيمة حقها، ولنضع ثقتنا في شباب العراق عبر صناديق الاقتراع. فالتاريخ لا يُصنع بالانتظار أو بالتفرج، وإنما بالفعل والإرادة. ولنجعل من صوتنا الانتخابي بداية لطريق جديد، يكون فيه الشباب عماد الديمقراطية وركيزة بناء وطن قوي، حر، وعادل.
فالعراق لن ينهض إلا بسواعد شبابه، ولن يستعيد مكانته إلا حين تتحول طاقاتهم إلى قوة فاعلة داخل مؤسسات الدولة. وحينها فقط، يمكننا القول إننا وضعنا أقدامنا على أول طريق الإصلاح الحقيقي
