Skip links

الانتخابات العراقية القادمة… بين استحقاق ديمقراطي وتحديات الثقة الشعبية

مقالات

وجهة نظر كاتب

مع اقتراب موعد الانتخابات العراقية القادمة، حيث باتت قاب قوسين أو أدنى، يعود السؤال الأزلي ويتجدد الجدل حول جدواها: هل ما زال العراقيون يثقون بالعملية السياسية؟ وهل سيذهبون إلى صناديق الاقتراع بأعداد كبيرة، أم أن الإحباط الذي تراكم عبر السنين سيدفعهم إلى المقاطعة؟

لقد شكّلت انتخابات 2010 محطة مهمة في تاريخ العملية السياسية بالعراق، إذ شهدت مشاركة جماهيرية واسعة ودخلت ذاكرة العراقيين بوعود تغيير كبيرة. امتلأت الساحات آنذاك بالأمل في تغيير حقيقي يضع البلاد على طريق الاستقرار والتنمية، لكن سرعان ما تبخرت تلك الآمال أمام واقع سياسي معقد، اصطدم بالتجاذبات والمحاصصة وتأخر تشكيل الحكومة. عندها بدأ العراقي يفقد شيئاً فشيئاً ثقته بأن صوته قد يحدث فرقاً، وعاش الشارع خيبة أمل متكررة. ورغم أن نسبة المشاركة كانت مرتفعة نسبياً، إلا أن التجربة تركت أثراً عميقاً في نفوس الناس، ورسخت شعوراً بأن أصواتهم قد لا تكون قادرة على إحداث التحول المنشود.

اليوم، ونحن على أعتاب استحقاق انتخابي جديد، يقف العراقي أمام خيارين: العزوف الذي يراه كثيرون موقفاً احتجاجياً على العملية السياسية برمتها، أو المشاركة التي يراها آخرون الفرصة الوحيدة الممكنة للتغيير، مهما كانت نتائجها محدودة. فالعراق لا يزال بحاجة إلى أصوات أبنائه كي يثبت أن الديمقراطية لا تُقاس بالشعارات، بل بحضور الناس وممارستهم لحقهم الدستوري، ولتقليص نفوذ القوى التقليدية.

إن التحدي الأكبر أمام الانتخابات المقبلة لا يكمن فقط في تأمين أجواء نزيهة وشفافة، بل في إعادة بناء الثقة بين المواطن وصندوق الاقتراع. فالثقة، التي اهتزت بعد انتخابات 2010 وما تلاها، لا تُستعاد بالشعارات وحدها، بل عبر مواقف عملية من القوى السياسية تعكس استعداداً حقيقياً للإصلاح، ولمواجهة الفساد، وتقديم حلول واقعية لمشكلات العراقيين اليومية.

قد تكون نسبة المشاركة هذه المرة أقل من السابق، لكن ما سيبقى مهماً هو أن يدرك العراقيون أن مقاطعة الانتخابات تعني ترك الساحة فارغة أمام القوى ذاتها التي اعتادوا انتقادها. أما المشاركة، فهي وإن لم تحقق كل الطموحات، تظل خطوة في طريق الإصلاح وفرض إرادة جديدة، ورسالة بأن الشعب لا يزال متمسكاً بخيار الديمقراطية رغم كل العثرات.

فالانتخابات المقبلة ليست مجرد صناديق وأرقام، ولا حدثاً دورياً عابراً، بل هي اختبار جديد لعلاقة العراقي بوطنه، وبقدرته على الإصرار في مواجهة الإحباط واليأس. إن صوت الناخب، مهما بدا ضعيفاً، يظل أقوى من الاستسلام، وهو السلاح الأهم لإحداث التغيير السلمي. هذا اليوم ليس فقط لاختيار ممثلين جدد، بل لإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، وهي معركة لا تقل أهمية عن أي معركة أمنية أو اقتصادية. ولربما تكون هذه الانتخابات فرصة أخيرة للكثيرين كي يقولوا كلمتهم ويثبتوا أن إرادة الشعب لا تموت مهما تعرضت للخذلان.

أيها العراقيون، إن الانتخابات القادمة ليست امتحاناً للطبقة السياسية وحدها، بل امتحان لنا جميعاً. صوتكم هو سلاحكم، وغيابكم يعني تسليم القرار لغيركم. قد لا تحقق صناديق الاقتراع كل الأحلام، لكنها تظل الطريق الوحيد لفتح باب التغيير. فلا تجعلوا الإحباط يحجب أصواتكم، ولا تمنحوا اليأس فرصة ليقرر عنكم. يوم الانتخابات، ليكن حضوركم هو الرسالة الأقوى: أن العراق لا يزال ملكاً لأبنائه، وأن الشعب، مهما أنهكته الخيبات، لا يتخلى عن مستقبله.

اترك تعليقًا

عرض
Drag