عقود الزواج الصوري: غسيل الأموال تحت ستار شرعي
مقالات
صادق الازرفي
أصدر مجلس القضاء الاعلى العراقي مؤخرا، إعماما عاجلا إلى محاكم التمييز والاستئناف والادعاء العام، حذر فيه من استغلال محاكم الأحوال الشخصية في جرائم غسل الأموال عبر تسجيل عقود زواج وهمية بمهور مبالغ بها يعقبها طلاق سريع واستحصال مبلغ المهر بحسب الاعمام.
ونتج عن مرحلة ما بعد 2003 وضع سمح لفاسدين، من بينهم سياسيين حصلوا على مناصب في الحكومات المتعاقبة، باستغلال المال العام وفتح قنوات متعددة لغسيل الأموال، بدءا من الشركات والاستثمارات، وصولا إلى الزواج والمهور؛ اذ تواصلت تلك العمليات لغرض الحصول على الأموال بوساطة تلك الزيجات.
وتعد عمليات غسل الأموال باستغلال عقود الزواج الوهمية ظاهرة حديثة نسبيا في العراق، لكنها ليست فريدة من نوعها على مستوى العالم؛ تتواصل هذه العمليات لعدة اسباب، من أهمها ضعف الرقابة والتشريعات غير الكافية، فضلا عن تواجد ثغرات قانونية تسمح للمجرمين باستغلال النظام القضائي والمصرفي.
وتعتمد هذه الطريقة على إتمام عقد زواج صوري بين شخصين، غالبا ما يكون أحدهما ثريا ويريد غسل أمواله، والآخر شخص متعاون معه؛ و يجري تحديد مهر العروس بمقدار مبالغ فيه جدا، يصل إلى ملايين أو حتى مليارات الدنانير، هذا المبلغ يكون من الأموال غير المشروعة المراد غسلها؛ يجري تسجيل العقد في محكمة الأحوال الشخصية، وبذلك يكتسب المهر صفة قانونية ويصبح دينا على الزوج.
بعد مدة قصيرة من الزواج، يجري الطلاق، حينها، تطالب الزوجة بمهرها، وتحول الأموال غير المشروعة إليها كجزء من تسوية الطلاق، تقوم الزوجة بعد ذلك بتحويل الأموال إلى الزوج نفسه أو إلى حسابات أخرى تابعة له، ولكن هذه المرة تكون الأموال قد أصبحت “مشروعة” لأنها انتقلت عبر عملية قانونية (تسوية طلاق).
تسمح هذه الطريقة للمجرمين بتحويل أموالهم من “غير مشروعة” إلى “مشروعة” من دون إثارة الشبهات التي قد تنجم عن التحويلات المصرفية الكبيرة المباشرة.
تخلف هذه الجرائم آثارا سلبية خطيرة على المجتمع العراقي، أبرزها، انتشار الفساد، اذ تعزز هذه العمليات ثقافة الفساد في المجتمع، وتعطي انطباعا بأن الجرائم المالية لا يعاقب عليها، فتسيء هذه الممارسات إلى قيم الزواج، وتحوله إلى مجرد أداة لتحقيق مكاسب مالية غير مشروعة، مما يضعف من قيمة الروابط الأسرية.
تسهم هذه العمليات في تضخم الاقتصاد غير الرسمي، وتقلل من إيرادات الدولة الضريبية، وتؤثر سلبا على الاستقرار المالي بشكل عام، وتعرض النظام القضائي للطعن والتشكيك، وتجعل منه وسيلة لشرعنة الجرائم، مما يضعف من ثقة السكان في المؤسسات القضائية.
وتتواصل هذه العمليات بسبب عدة عوامل رئيسة، أهمها، ضعف الرقابة، اذ ان هناك ضعفا واضحا في الرقابة على المحاكم والإجراءات القانونية، مما يسمح للمجرمين باستغلال الثغرات، ويرتبط الامر بغياب التشريعات الرادعة، اذ تتولد الحاجة إلى تشريعات أكثر صرامة تجرم هذه الأفعال وتفرض عقوبات قاسية على مرتكبيها.
ان الفساد الاداري المتجذر في بعض مؤسسات الدولة، بما في ذلك المؤسسات القضائية، يسهل على المجرمين تنفيذ مخططاتهم، يحدث هذا في ظل غياب التنسيق بين المؤسسات المعنية، مثل وزارة العدل والبنك المركزي ومجلس القضاء الأعلى، لمواجهة هذه الظاهرة بفاعلية.
وبرغم كشف القضاء العراقي عن هذه الممارسات، فإن مكافحتها تتطلب جهودا متواصلة وتنسيقا بين جميع المؤسسات المعنية لمواجهة هذه الظاهرة المتنامية.
على مستوى العالم، هناك عديد النماذج المشابهة لاستغلال العلاقات الاجتماعية لتحقيق مكاسب مالية غير مشروعة، فضلا عن استعمالها في غسيل الأموال، وتنتشر هذه الظاهرة بشكل خاص في المجتمعات التي تمنح امتيازات كبيرة للمهاجرين أو اللاجئين.
فيستغل الزواج في قضايا الهجرة في ما يسمى بالزواج الصوري للحصول على الإقامة أو الجنسية، و هذا النموذج هو الأكثر شيوعا، يقوم فيه شخص من دولة ما بالزواج من مواطن أو مواطنة من دولة أخرى بهدف وحيد وهو الحصول على تصريح إقامة أو جنسية، غالبا ما تكون العلاقة سطحية أو غير متواجدة على أرض الواقع، ويجري الاتفاق على مبلغ مالي يدفع للطرف الذي يحمل الجنسية مقابل الموافقة على الزواج، بعد الحصول على الأوراق الرسمية، يتم الطلاق.
واستنادا الى المعلومات المتعلقة بالمحاكم، في عديد الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة وألمانيا وكندا، تعد “زيجات المصلحة” جريمة يعاقب عليها القانون، فتقوم السلطات بشن حملات تفتيش وتحقيق للتأكد من أن الزواج حقيقي، وقد يتضمن ذلك مقابلات منفصلة مع الزوجين للتحقق من تفاصيل حياتهما اليومية.
في بعض الحالات، قد يجري تبني شخص بالغ مقابل مبلغ مالي بهدف الحصول على إقامة أو تسهيل إجراءات لم شمل الأسرة، يجري استغلال الثغرات في قوانين الهجرة التي تسمح بجمع أفراد العائلة للحصول على مكاسب غير مشروعة.
في مناطق النزاع، قد يدعي بعض الأشخاص تواجد قرابة عائلية مع مواطنين في دول أخرى بهدف الحصول على تأشيرة لجوء أو إقامة، يجري تزوير الوثائق وإصدار شهادات مزورة لإثبات هذه العلاقات.
كما يصار الى استغلال عقود العمل الوهمية أيضا، اذ يزعم شخص أنه سيوظف مهاجرا، وفي المقابل يدفع المهاجر مبلغا من المال للحصول على تأشيرة عمل تسمح له بدخول البلد والإقامة فيه.
تستغل هذه الممارسات، الثغرات في القوانين التي تمنح امتيازات خاصة للمهاجرين أو تتيح لم شمل العائلة.
كما يؤدي الفساد في الأجهزة الحكومية دورا كبيرا في تسهيل هذه العمليات، اذ يقوم بعض الموظفين بقبول الرشاوى لتجاهل الأدلة أو تزوير الوثائق.
و يلجأ كثير من المهاجرين إلى هذه الطرق بسبب اليأس وصعوبة الحصول على تأشيرات بطرق شرعية، مما يجعلهم فريسة سهلة للمجرمين.
وعودة الى العراق، فان البلد يسجل زيادة ملحوظة في المهور في السنوات الأخيرة، اذ أصبحت بعض عقود الزواج تتضمن مهورا تتجاوز مليارات الدنانير مما يثير استغرابا اجتماعيا وتساؤلات قانونية.
وكانت الخبيرة القانونية شيرين زنكنة قد حذرت في شهر أيار 2025 من تصاعد القلق إزاء الارتفاع الملحوظ في قيمة المهور المسجلة في عقود الزواج، مشيرة الى إمكانية استغلالها كغطاء لعمليات غسيل الأموال.
وقالت إن المهور العالية في العراق بدأت بالظهور في السنوات الخمسة الأخيرة، مشيرة إلى مهر جرى تسجيله في البلاد بلغ ملياري دينار عراقي، وقد جرى توثيق هذا العقد بمحكمة الأحوال الشخصية في محافظة كربلاء عام 2019، على حد قولها.
