Skip links

قراءة في توقف الحرب الأوكرانية الروسية وتأثيرها على العراق

تقارير

شفق نيوز- واشنطن

علي قيس

هنا في واشنطن، وعلى خشبة “مسرح الدبلوماسية” كما يصفها المراقبون السياسيون، جلس الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلف مكتبه في “الأوفال أوفيس” بالبيت الأبيض بينما جلس القادة الأوروبيون في الصف المقابل.

الصورة تعطي انطباعاً واضحاً للمضيف الذي يملك زمام “لعبة القوة” في حسم ملف الحرب الأوكرانية المدعومة أوروبياً مع روسيا، والمقصود به الرئيس الأميركي، بعد ثلاثة أيام من لقائه بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في قاعدة إلمندورف-ريتشاردسون العسكرية بولاية ألاسكا.

وربما تحمل الصورة بعض الإحراج لقادة أوروبا لكنهم جاؤوا “موحدين لبحث ضمانات أمنية لأوكرانيا وهنأوا على بعض التقدم في النقاشات”، بحسب ماذكرت تقارير وسائل الإعلام الأميركية.

الاجتماع الذي قوبل بانتقادات شديدة في الإعلام الأميركي، واعتبره البعض انتصاراً لروسيا، ترقبه وراقبه كل العالم بإعلامه وسياسييه وحتى شعوبه.

فما هي المكاسب الذي قد يلقي به السلام بين موسكو وكييف على الدول الأخرى وخصوصاً العراق؟.

الموقف العراقي من الاجتماع

ردود الأفعال الرسمية العراقية بشأن الاجتماع كانت شبه غائبة، لكن يبقى الموقف الرسمي لبغداد ثابتاً تجاه حرب أوكرانيا “الدعوة للحوار والحلول الدبلوماسية، ودعم أي مبادرة تُنهي الصراع بشكل عادل ودائم، مع الحفاظ على علاقات متوازنة مع موسكو وكييف“.

وهذا ما شددت عليه بيانات وزارة الخارجية بشكل متكرر عبر منصاتها. وإن لم تتطرق إلى اجتماع ترمب والقادة الأوروبيين تحديداً.

وذلك يؤكد تأثر العراق بالسلام بين أوكرانيا وروسيا، بل أن له انعكاسات على الصُعد الاقتصادية والسياسية وحتى الأمنية.

لكن، انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية سيؤدي إلى انعكاسات كبيرة على الاقتصاد العراقي الريعي، الذي استفاد من زيادة إيراداته بعد ارتفاع أسعار النفط عالمياً وبلوغها نحو 120 دولاراً للبرميل في مراحل مبكرة.

ومع انتهاء الحرب، تنخفض ضغوط الندرة على السوق العالمي ومن ثم أسعار النفط، لكن هذا الانخفاض قد يكون محدود التأثير الواقعي.

ويتوقع محللون اقتصاديون أنه بمجرد إعلان انتهاء الحرب سيشهد السوق انخفاضاً قصيراً في الأسعار يمتد لأيام أو أسابيع بسبب التفاؤل المضاربي، لكن السوق الواقعي لن يتغير على المدى الطويل.

من جانب آخر، تشير تقديرات غير رسمية إلى أن الأسعار قد تهبط حتى نحو 60 دولاراً للبرميل إذا استمر الضغط السياسي، وهو ما سيزيد فجوة الميزانية العراقية المبنية على سعر برميل 75 دولاراً، ويجبر الحكومة على إجراءات تقشفية مثل خفض قيمة الدينار أو زيادة الضرائب.

من ناحية الموارد الغذائية، يعتمد العراق على واردات خارجية كبيرة لتأمين الحبوب، ولا سيما القمح.

وقد أفقدت الحرب دولاً كثيرة لا تستورد القمح من أوكرانيا أو روسيا بشكل مباشر سلاسل الإمداد العالمية، فروسيا وأوكرانيا تساهمان بنحو 30% من الإنتاج العالمي للقمح، لذلك أدى انقطاع الإمدادات إلى ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً وزيادة تكاليف المعيشة في العراق.

ومع نهاية الحرب، قد تعود التوريدات تدريجياً إلى طبيعتها، مما يخفف الضغوط التضخمية على أسعار الأغذية.

وأكد تقرير البنك الدولي أن أسعار القمح شهدت عودة إلى مستويات ما قبل الحرب بنهاية 2022، مما يوحي بأن إنهاء النزاع قد يساعد على استقرار أسعار الغذاء العالمية وتحسين القدرة الشرائية للعراقيين.

وفي مجال التجارة الخارجية، تضرر حجم التبادل التجاري مع أوكرانيا إبان الحرب.

ففي عام 2021 كان التبادل التجاري بين البلدين يتجاوز نصف مليار دولار سنوياً، لكن الحرب قلصت هذا الحجم إلى الثلث.

تشمل الصادرات العراقية إلى أوكرانيا في الغالب مواد البناء والحديد، وقد توقفت العديد منها بسبب انعدام الأمن ونقص الأساطيل.

وتحاول الدبلوماسية الأوكرانية حالياً إعادة إحياء العلاقات الاقتصادية مع العراق وتنويع مجالات التعاون.

بشكل عام، سيؤثر انتهاء الحرب على العلاقات التجارية العراقية بشكل مزدوج: إذ من المرجح أن تفتح كلاً من أوكرانيا وروسيا أسواقهما مجدداً للعراق، لكن في المقابل قد تواجه الشركات العراقية ضغوطاً من شركاء غربيين للإبقاء على بعض قيود العقوبات.

على سبيل المثال، حثّت السلطات العراقية مصارفها وشركاتها على تجنب تحويل الأموال إلى روسيا لعزل الاقتصاد عن أثر العقوبات الغربية.

وبناءً على ذلك، فإن الحكومة قد تسعى إلى تنويع مستورديها للسلع (مثل الحبوب والمنتجات الغذائية) وتعزيز شراكات تجارية جديدة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والاقتصادات الصاعدة لتعويض أي تباطؤ في الصادرات التقليدية.

الأثر السياسي

انتهاء الحرب الروسية-الأوكرانية قد يؤدي إلى إعادة رسم خارطة التحالفات الدولية وترسيخ توازنات القوى الإقليمية الجديدة، وهو ما سينعكس على السياسة الخارجية العراقية.

خلال سنوات النزاع، اتخذت بغداد موقفاً حذراً وحيادياً نسبياً، فقد امتنعت عن إدانة روسيا في الأمم المتحدة، وأكدت أنها لا تريد خسارة أي طرف.

ورغم هذا الحياد، لكن تقليص الاعتماد على الاستثمارات الروسية وتنويع شراكات بغداد لطمأنة الحلفاء الغربيين واستقطاب رؤوس المال الأجنبية كانت مقترحات مطروحة على طاولة الحكومة العراقية.

ومع نهاية الحرب، يمكن أن تستفيد بغداد من انفتاح أكبر مع الغرب وأوكرانيا لإعادة بناء العلاقات الاقتصادية والسياسية، خصوصاً وأن كييف أعربت عن رغبتها في إحياء التجارة مع العراق واستقطاب الشركات الأوكرانية إلى أسواقه.

في المقابل، قد يسمح انتهاء النزاع لروسيا بإعادة توجيه جهودها الدبلوماسية نحو الشرق الأوسط بحيوية متجددة، مما قد يعزز من طموحات موسكو للعب دور “مُوازن خارجي” ضد النفوذ الأمريكي في المنطقة.

وبذلك ستحتاج بغداد للعب دور أكثر مراوغة بين الكتلتين: فتوسيع التعاون مع دول التحالف الغربي (الولايات المتحدة وأوروبا) بات يُنظر إليه على أنه ضرورة لدعم الاستقرار الاقتصادي والأمني.

أما على صعيد توازن القوى الإقليمي، فإنه فعليا متأثر بتبعات الحرب وإنهائها.

فقد استفادت دول الخليج من ارتفاع أسعار النفط وتحسين وضعها التفاوضي مع القوى الكبرى خلال الحرب.

ومن المتوقع أن يعزز انتهاء الحرب من مكانة التعاطي السياسي العراقي المستقل ضمن متغيرات متعددة الأقطاب، ولكنّه سيضع بغداد تحت ضغوط للتوفيق بين مصالح موسكو وكييف والغرب.

وفي ما يتعلق بالعلاقات الثنائية، لطالما حرصت بغداد على عدم الانحياز الواضح. فقد حافظت علاقتها التقليدية مع موسكو على المستوى الاقتصادي خصوصاً في قطاع النفط والغاز.

الأثر الأمني

في الجانب الأمني يحمل انتهاء الحرب الروسية-الأوكرانية آثاراً غير مباشرة على تهديدات الإرهاب وعلى مصير الوجود العسكري الدولي في العراق.

وعلى مستوى التهديدات الإرهابية، ثمة رأيان متضادان.

فيرى بعض المراقبين أن عودة التركيز الدولي من أوروبا وأوكرانيا إلى الشرق الأوسط قد تعزز جهود مكافحة الإرهاب الإقليمية، حيث يمكن أن يُقدَّم دعم أكبر للقوات العراقية لملاحقة بقايا تنظيم “داعش“.

في المقابل، يحذّر خبراء من أن أي فراغ أمني ناتج عن التغيرات الجيوسياسية (مثل تحول التحالفات أو رفع لبعض الضغط الدولي) قد يحاول “داعش” أو فصائل متطرفة استغلاله.

فقد أوقفت القوات الحكومية بعض صفقات التسليح مع روسيا بسبب الحرب والعقوبات، ما أدى إلى تأخير وصول قطع غيار مهمة (مثل محركات الطائرات والمعدات التي كانت تُنتجها أوكرانيا) التي كانت تسهم في مكافحة التنظيمات الإرهابية.

بوقف الحرب، يُتوقَّع أن تنتهي هذه العقبات تدريجياً، مما يسهل استئناف توريد قطع الغيار والأسلحة، وقد يُعزّز استعداد القوات الأمنية العراقية ومخازنها من الذخيرة.

اترك تعليقًا

عرض
Drag