Skip links

بغداد وأربيل.. عقدان من الفرص الذهبية قوضتها الخلافات والتشظي

تقارير

على مدى العقدين الماضيين، توفرت فرص ذهبية للحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كوردستان في أربيل لتعزيز التعاون بين الطرفين، لكنها ضاعت بسبب غياب رؤية موحدة وتراكم الخلافات والأزمات.

لقد شكّل الدستور الاتحادي للعام 2005 فرصة فريدة لبداية بناء دولة ديمقراطية متعددة القوميات، باعترافه بإقليم كوردستان ككيان اتحادي، لكن النزعة المركزية في بغداد والتجاذبات الحزبية في كوردستان أعاقت استثمار هذه الفرصة، بحسب ما يذهب إليه مراقبون.

ورغم أن استفتاء العام 2017 الذي اجرته كوردستان للاستقلال عن العراق كشف عملياً حدود النظام الاتحادي في البلاد، إلا أن التجربة أظهرت للإقليم أن التمسك بالدستور يُعد السبيل الأنجع للحفاظ على مكاسبه، رغم عدم التزام بغداد بتلك البنود.

كما برزت فرصة لبناء نموذج تعايش مدني بعد الانتصار على داعش، لكن الخلافات السياسية والمالية أعاقت الإقليم من استثمار هذا الإنجاز على المستوى الوطني والدولي.

وإلى جانب ذلك، امتلك إقليم كوردستان علاقات خارجية متقدمة وقدرات اقتصادية وسياحية كان يمكن أن يجعله نموذجاً ناجحاً داخل العراق، لكن كثرة الإشكالات مع بغداد وتشظي قوى بارزة في الإقليم أعاقت هذا الأمر.

وقد أدى ذلك إلى عرقلة تصدير نفط الإقليم، وأوقع بغداد وأربيل في أزمات اقتصادية وسياسية متكررة، بدلاً من استثمار النفط كأداة للتنمية المشتركة.

بالإضافة إلى امتلاك كوردستان الإمكانات الزراعية والاقتصادية التي تُمكّن الإقليم من أن يكون سلّة غذاء العراق، إلا أن سياسات بغداد حالت دون تصريف المنتجات الزراعية الكوردية، مما وجه ضربة للمنتج الوطني وأدى إلى الاعتماد على الاستيراد.

وبهذا السياق، يوضح المحلل السياسي، خالد وليد، أن “العلاقة بين بغداد وأربيل تمثل جزءاً من حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي يعاني منها العراق منذ أكثر من عقدين“.

ويشير وليد في حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن هناك مجموعة من المشكلات تؤثر على هذه العلاقة، وللأسف تستغلها بعض القوى السياسية لتحقيق مصالح ضيقة، مما يؤدي إلى أضرار كبيرة للمواطنين.

ويتوقع وليد، أن تستمر هذه المشكلات والأزمات ما لم تكن هناك حلول دائمة ومعالجات تستند إلى تشريعات وقوانين تساهم في تحقيق الاستقرار.

كما يشدد على أنه ينبغي للقادة السياسيين أن يدركوا حقيقة أن المواطن العراقي أصبح أكثر وعياً وإدراكاً، وأن استمرار هذه التوترات يخدم مصالح زعماء المحاصصة الذين بدأوا يواجهون استياء الشارع سواء في بغداد أو أربيل.

ويؤكد وليد أنه لا سبيل لتحقيق الحلول الحقيقية إلا من خلال العمل لمصلحة وطنية تعود بالنفع على جميع فئات الشعب، مستندة إلى الهوية العراقية الشاملة.

وكانت للمادة 140 من الدستور، أن تُستخدم كأساس لوحدة الأرض والنسيج الوطني بدلاً من النزاع على المناطق المتنازع عليها، لكنها أُهملت ولم تنفذ، مما عزز الصراعات العرقية.

فيما يحمّل عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب العراقي، عارف الحمامي، حكومتي بغداد وأربيل مسؤولية عدم تنفيذها، منوّهاً إلى أن المادة 140 هي ليست المادة الوحيدة التي لم تطبق، بل هناك قوانين كثيرة تخص بغداد وأربيل لم تنفذ أيضاً.

ومن هذه القوانين، يذكر الحمامي لوكالة شفق نيوز، قانون الموازنة، وقانون تعديل الموازنة الأخير، وقانون تسليم الإيرادات غير النفطية، وغير ذلك الكثير من القوانين التي لم تنفذ مع الإقليم.

ويرى الحمامي المنتمي لائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، أن “إقليم كوردستان هو من يناور ويفاوض لكن لا ينفذ، لذلك عدم تسليم إيرادات النفط تتحملها حكومة الإقليم بمفردها“.

ويعتبر أن “حكومة الإقليم هي المعرقل الوحيد وليست لديها نية حقيقية لتسليم الإيرادات، وجميع الاتفاقات هي في الحقيقة مناورات سياسية لكسب الوقت“.

لكن في المقابل، يحمّل المحلل السياسي الكوردي، محمد زنكنة، “الحكومة الاتحادية استغلال الوقت باختلاق مشاكل جديدة فيما يتعلق بموازنة كوردستان وتمويل رواتب موظفي الإقليم“.

ويوضح زنكنة لوكالة شفق نيوز، أن بغداد سلمت رواتب شهر أيار/مايو ، لكن شهري حزيران/يونيو، وتموز/ يوليو بانتظار قرارات اللجنة التي تم الاتفاق على تشكيلها لبحث المسائل العالقة والاستقطاعات وحقوق المتقاعدين وما شاكل ذلك.

ويؤكد زنكنة، أن “الكرة الآن في ملعب الحكومة الاتحادية فهي التي تؤخر حل هذه المشاكل، ومن الواضح أنها لا تريد وضع الحلول، رغم الضغوط وتلويح الحزب الديمقراطي الكوردستاني بالانسحاب من العملية السياسية“.

وبناء على التحديات السابقة، تبرز الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى وحدة الصف الكوردي، إذ لا تزال أمام القوى الكوردية فرصة حقيقية لإعادة ترتيب أولوياتها وتنظيم صفوفها سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً، ضمن إطار اتحادي يكفل تقاسم الموارد والصلاحيات بعدالة مع بغداد.

اترك تعليقًا

عرض
Drag