Skip links

الانتخابات مسؤولية وطنية

مشتاق طالب

لم يتبقَّ على موعد الانتخابات النيابية القادمة سوى أيام قليلة، وهي محطة مفصلية في تاريخ العراق السياسي، وفرصة حقيقية أمام الشعب لاستعادة زمام المبادرة وصنع التغيير المنشود عبر صناديق الاقتراع. فالمشاركة في الانتخابات ليست مجرد حق دستوري فحسب، بل هي واجب وطني وأخلاقي تجاه الوطن ومستقبله.
صوتك أمانة، فلا تمنحه إلا لمن يستحقه، لمن يمتلك الكفاءة والنزاهة والقدرة على تمثيل تطلعاتك، بعيداً عن كل أشكال المحسوبية والمجاملات والعلاقات الشخصية أو القبلية أو الحزبية الضيقة. فالعراق اليوم بحاجة إلى مشروع وطني شامل لا يقوم على الولاءات الضيقة، بل على الإخلاص للوطن وخدمة المواطن.
لقد جرّب العراق على مدى الدورات الانتخابية الماضية العديد من الشخصيات السياسية، إلا أنّ معظمها ـ وللأسف الشديد ـ أخفق في إدارة شؤون الدولة، مما انعكس سلباً على حياة المواطنين وعلى استقرار البلاد. سنوات طويلة مضت، تغيّرت فيها الوجوه لكن لم تتغير السياسات، واستمر الفساد والتدهور الإداري والخدماتي والاقتصادي، مما أفقد المواطن الثقة بالعملية السياسية برمتها.
ومع ذلك، تبقى المشاركة في الانتخابات هي الطريق الوحيد للتغيير، فالمقاطعة لا تعني سوى ترك الساحة للفاسدين، ومنحهم فرصة جديدة للعودة إلى البرلمان من بوابة العزوف الشعبي. لقد جرّب العراقيون وماذا كانت النتيجة؟ فقط أعطينا مساحة أوسع لمن أساؤوا استخدام السلطة، فزادوا الأزمات تعقيدا، وأضاعوا على البلاد فرص النهوض والتقدم.
إن الذهاب إلى يوم الاقتراع هو تعبير عن الوعي والمسؤولية، وهو واجب وطني وأدبي وأخلاقي تجاه العراق ومستقبله. فالتغيير يبدأ من صوتك، ومن إيمانك بأن المستقبل يمكن أن يكون أفضل إذا اخترنا الأفضل.
ونأمل أن نرى في البرلمان الجديد وجوها شابة وكفاءات وطنية تمتلك الرؤية والطاقة والطموح لإحداث الإصلاح الحقيقي، بعيداً عن نهج الترهل السياسي القديم الذي أرهق البلاد وأضعف مؤسساتها. لقد أثبت الجيل السياسي الحالي فشله في إدارة الدولة، واعترف كثير منهم عبر وسائل الإعلام بالأخطاء الكبيرة التي رافقت تجربتهم. والاعتراف بالخطأ فضيلة، لكنه في السياسة يجب أن يتبعه إصلاح حقيقي وتغيير في النهج وليس في الأسماء فقط.
ومن هنا، ينبغي على زعماء العراق والقوى السياسية التقليدية أن يدعموا الشباب ويمنحوهم المساحة الكافية للمشاركة في صنع القرار، لأن تجديد الدماء في الحياة السياسية بات ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل. فالشباب هم أمل المستقبل، وهم القادرون على بناء عراق جديد يليق بتاريخه ومكانته وريادته في المنطقة.
كما نأمل أن يكون اختيار رئيس الوزراء القادم نابعا من الإرادة الشعبية عبر صناديق الاقتراع، لا وفق صفقات وتوافقات سياسية تجهض العملية الديمقراطية وتفرغ الانتخابات من مضمونها الحقيقي. فحين يصبح المنصب الأعلى في الدولة نتاجاً للتفاهمات وليس لإرادة الشعب، تفقد الديمقراطية معناها، وتتحول الانتخابات إلى إجراء شكلي لا أكثر.
إن العراق اليوم يقف أمام مفترق طرق، فإما أن نصحح المسار ونستعيد روح الديمقراطية الحقيقية، أو نواصل الدوران في حلقة الأزمات ذاتها. والسبيل إلى ذلك هو الالتزام التام بما نص عليه الدستور، لأنه الفيصل في بناء الدولة المدنية الحديثة، والضمانة الحقيقية لصون حقوق المواطنين جميعاً.
لنجعل من الانتخابات القادمة عرسا ديمقراطيا حقيقيا نُثبت فيه للعالم أن العراقيين قادرون على التغيير، وأن إرادتهم أقوى من الفساد والمحاصصة. فالعراق يستحق الأفضل، ويستحق من أبنائه أن ينهضوا به من جديد.

اترك تعليقًا

عرض
Drag