Skip links

العراق من مهد الحضارات إلى مهب الأزمات

مقالات

الدكتور رافع سحاب الكبيسي

العراق مهد التاريخ وبوابة الحضارة ، تلك الأرض التي وُلد عليها التاريخ، وارتوت من مياه دجلة والفرات حضاراتٌ علّمت العالم الكتابة والقانون والإدارة والطب والفلك. من سومر وأكد وبابل وآشور إلى بغداد العباسية التي كانت منارة الدنيا، خرجت من العراق أولى الشرائع القانونية، وازدهرت فيه المدارس والمستشفيات والمكتبات، حتى صار بحق “مهد الحضارات” و”نبراس القوانين” و”قبلة العلم والمعرفة“.

لكن المشهد تغيّر بعد سقوط النظام السابق عام 2003. فبدلاً من أن تكون تلك اللحظة بداية لبناء دولة حديثة، تحوّل العراق إلى ساحة صراع وتصفية حسابات. ونشأت المحاصصة الطائفية لتفتت الجسد العراقي الواحد، وبرزت الأحزاب المتناحرة على السلطة والثروة، حتى صار الولاء للطائفة أو الحزب أهم من الولاء للوطن.

انهار النظام التعليمي الذي كان يوماً من الأفضل في المنطقة، وتدهورت الخدمات الصحية، وغاب القانون في ظل انتشار الفساد والمحسوبية. الوزارات التي كان يفترض أن تنهض بالبلد أصبحت غنائم تتقاسمها الكتل السياسية، والنتيجة أن الجهل والفقر والبطالة صارت أمراضاً مزمنة تنهش جسد الوطن.

الحكومات التي توالت على العراق بعد 2003 لم تستطع، أو لم ترد، أن تضع مصلحة العراق فوق كل اعتبار. فبدلاً من بناء دولة المؤسسات، تم تكريس دولة الأحزاب. أما التدخلات الخارجية فقد زادت الطين بلّة، حيث أصبحت القرارات السيادية مرهونة بإرادة قوى إقليمية ودولية، ورغم كل ذلك، يرى كثير من العراقيين أن فترة حكم الدكتور إياد علاوي (20042005)  كانت ومضة قصيرة في زمن مضطرب ومن أفضل المراحل بعد السقوط. فقد حاول الرجل – بشهادة مؤيديه – أن يعمل بروح وطنية جامعة، بعيداً عن الطائفية، وسعى إلى استعادة هيبة الدولة ومنع التدخل الخارجي في الشأن العراقي. كما يُذكر له أنه اهتم بتحسين الأوضاع المعيشية والأمنية قدر المستطاع في ظرف استثنائي وصعب. ورغم قصر مدته في الحكم، إلا أن بصمته بقيت حاضرة في ذاكرة من رأوا فيه مشروعاً لدولة مدنية قوية.

اليوم، يقف العراق عند مفترق طرق خطير: بين ماضٍ مجيد يزهو بالحضارة، وحاضرٍ مثقل بالأزمات. ومع كل ما مرّ به العراق من دمارٍ وخرابٍ، لا يزال العراقيون يؤمنون بأن فجرًا جديدًا سيشرق على وطنهم. فما زال الأمل يسكن القلوب بأن ينهض العراق من تحت الركام، ويستعيد عافيته التي سرقتها قِلّة جعلت مصالحها وأحلامها فوق مصالح الناس وأحلامهم. لكن إرادة الشعوب لا تموت، والعراق الذي علّم الدنيا معنى الحضارة، قادرٌ أن يعلّمها من جديد كيف تُخلق الحياة من بين الرماد.

ومع اقتراب الانتخابات القادمة، يقف العراقيون أمام مفترق جديد. فالكثيرون يرون فيها فرصة لإحداث التغيير المنشود، عبر اختيار وجوه جديدة تحمل رؤية وطنية حقيقية بعيداً عن الطائفية والمحاصصة. لكن في المقابل، هناك خشية متزايدة من أن تتحول الانتخابات إلى مجرد إعادة إنتاج للمشهد السياسي ذاته، إذا لم يتحرر القرار الشعبي من سطوة المال والسلاح والنفوذ الحزبي.

إن مستقبل العراق مرهون بوعي ناخبيه، وبقدرتهم على التمييز بين من يسعى لبناء وطنٍ عادلٍ قوي، ومن يسعى لتكريس مصالح ضيقة على حساب الشعب. فالانتخابات ليست مجرد صناديق اقتراع، بل هي اختبار حقيقي لإرادة أمةٍ أنهكها الفساد وتنتظر الخلاص.

اليوم، يقف العراق بين ماضٍ مجيد يزهو بالحضارة، وحاضرٍ مثقل بالأزمات. ومع كل ما مرّ به العراق من دمارٍ وخرابٍ، لا يزال العراقيون يؤمنون بأن فجرًا جديدًا سيشرق على وطنهم. فما زال الأمل يسكن القلوب بأن ينهض العراق من تحت الركام، ويستعيد عافيته التي سرقتها قِلّة جعلت مصالحها وأحلامها فوق مصالح الناس وأحلامهم. لكن إرادة الشعوب لا تموت، والعراق الذي علّم الدنيا معنى الحضارة، قادرٌ أن يعلّمها من جديد كيف تُخلق الحياة من بين الرماد.

اترك تعليقًا

عرض
Drag