 
		ما بين الدولة واللادولة
مقالات
مشتاق الربيعي
منذ انتهاء الحقبة الدكتاتورية التي طُويت صفحتها إلى غير رجعة، دخل العراق مرحلة جديدة من التحولات السياسية والاجتماعية العميقة. ومع غياب منظومة رادعة لضبط الخارجين عن القانون، برزت قوى وفصائل متعددة — سياسية وعشائرية ومسلحة — لتعيد تشكيل موازين النفوذ، وتكشف حجم التعقيد الذي رافق المرحلة التي تلت التغيير.
وفي ظل هذه البيئة، تحوّل انتشار السلاح خارج الأطر الرسمية من ظاهرة دفاعية إلى وسيلة لفرض النفوذ وإثبات القوة، رغم تكرار الشعار الوطني الواضح: «حصر السلاح بيد الدولة». إلا أن التطبيق اصطدم بعقبات تتعلق بتعدد الولاءات وتداخل الصلاحيات، ما جعل الفوضى المسلحة إحدى أبرز مظاهر هشاشة الأمن وضعف هيبة الدولة.
الأبعاد الأمنية والعسكرية
لم يقتصر السلاح على الفصائل المسلحة، بل امتد إلى بعض العشائر التي تمتلك اليوم قدرات تسليحية كبيرة، بحيث يمكن أن تتحوّل خلافات فردية أو عشائرية إلى مواجهات مسلحة تهدد الأمن والاستقرار المجتمعي.
ورغم الجهود الكبيرة للأجهزة الأمنية في ضبط السلاح ومكافحة هذه الظاهرة، فإن حجم التحدي يتطلب مقاربة شاملة تعزز الثقة بين المواطن والدولة، وتعيد الاعتبار للقانون، وتكرّس الولاء للوطن فوق أي ولاءات فرعية.
كما نؤكّد ضرورة وجود قيادة موحّدة للقوات المسلحة تحت إشراف القائد العام للقوات المسلحة، ضمانًا لوحدة القرار وتعزيزًا لهيبة الدولة وسيادة القانون. ومن الضروري أن يكون التنسيق الأمني والعسكري شاملًا وفعّالًا، بما يعزز احتكار الدولة للسلاح وحقّها الحصري في استخدام القوة وفق القانون، ويمنع تعدد مراكز القوة والنفوذ.
الأبعاد الاجتماعية والثقافية
السلاح المنفلت لا يهدد الأمن فقط، بل يضرب أسس المجتمع. فعندما يصبح العنف وسيلة لحل النزاعات، تتراجع ثقافة الحوار وتضعف قيم المواطنة.
الشباب — عماد المستقبل — يتأثرون بهذه البيئة، ما ينعكس على التعليم وسوق العمل والسلوك الاجتماعي. لذلك، أصبح تعزيز ثقافة السلام والتعايش ضرورة وطنية تبدأ من الأسرة والمدرسة وتمتد إلى الإعلام والمنابر الدينية والثقافية.
الأبعاد الاقتصادية والتنموية
لا تنمية بلا استقرار. فالفوضى المسلحة تنفّر الاستثمار، وتفاقم البطالة والفقر، وتستنزف موارد تُفترض توجيهها نحو التعليم والصحة والبنى التحتية.
إن ضبط السلاح شرط أساسي لبناء اقتصاد مستقر وتنمية مستدامة.
الأبعاد القانونية وبناء دولة المواطنة
قوة الدولة تُقاس بقدرتها على تطبيق القانون بعدالة ومساواة.
وحين تتعدد مراكز القرار وتتشابك المصالح، تتراجع سلطة المؤسسات ويضعف مفهوم المواطنة.
دولة القانون تعني خضوع الجميع لقواعد واحدة، وتكريس العدالة، والمحاسبة، واحترام الحقوق والواجبات.
خارطة طريق لبناء الدولة
• توحيد القيادة الأمنية تحت سلطة القائد العام للقوات المسلحة.
• إطلاق برامج نزع السلاح الطوعي مع ضمانات قانونية وتعويضات عادلة.
• تفعيل دور القضاء في محاسبة حيازة السلاح غير المرخص دون استثناء.
• إشراك المجتمع المدني في صياغة السياسات الأمنية لتعزيز الثقة.
• برامج توعية للشباب لترسيخ قيم المواطنة والسلام.
• إصلاحات اقتصادية تنموية تخلق الفرص وتعيد توجيه الموارد للقطاعات الحيوية.
إن فوضى السلاح تهدد السلم الأهلي والمجتمعي وتضعف الدولة أمام مواطنيها والعالم.
وحصر السلاح بيد الدولة ليس شعارًا بل ضرورة وطنية لحماية الجميع.
وللعراق إرث قانوني حضاري ضارب في التاريخ؛ فـمسلة حمورابي كانت أول نموذج لتنظيم المجتمع بالقانون — وهو إرث يلهمنا لبناء دولة حديثة عادلة، لذلك ينبغي أن يكون حاضرنا أبهى من ماضينا، ومستقبل العراق أكثر قوة وازدهارًا وثباتًا.
العراق اليوم أمام مفترق طرق:
إما دولة القانون والمؤسسات، أو فوضى السلاح وتعدد الولاءات.
ولا شك أن الشعب العراقي — بوعيه وتاريخه — سيختار الدولة العادلة التي تحمي أمنه وكرامته، وتستعيد للوطن مكانته التي يستحقهاش

 
																													 
							 
							