Skip links

بغداد المختنقة: نقل الوزارات ضرورة لتنظيم العاصمة ومستقبلها

مقالات

صادق الازرقي

في العراق وبالتحديد في العاصمة بغداد كانت هناك مطالبات بتغيير مواقع الوزارات العراقية، فبعضها يأخذ مساحات واسعة من قلب بغداد ويؤثر على حركة الناس والمرور.

وعلى سبيل المثال طرح بالفعل بعد اسقاط النظام المباد وفي اول وزارة تشكلت بعد نيسان 2003 موضوع إلغاء موقع وزارة الدفاع الحالي في باب المعظم لتأثيره على حركة الناس والنشاط التجاري والترفيهي، اذ اقترح تغيير مكانها ولم ينفذ المشروع، وكان قد حول مقرها بالفعل في ثمانينات القرن الماضي إلى وزارة النفط الحالية البعيد عن مركز العاصمة، وباشرت اعمالها بالفعل في موقعها الجديد ولكن لم يتواصل الامر.

وفضلا عن ذلك فان موقع وزارة التخطيط في رأس جسر الجمهورية أصبح معوقا لحركة السكان، فلقد قامت الوزارة بتصرف فردي، بغلق الفتحات النازلة من الجسر الى الشارع الممتد مع النهر باتجاه نقابة الصحفيين وجسر السنك وفتحت بابا آخر للوزارة تحت الجسر مخصص للحرس ويتعذر على المشاة سلوكه، وأصبح متعذرا حتى على اهل المنطقة سلوك الطريق القديم القصير بل ان عليهم الالتفاف حول الجسر والرجوع الى منطقتهم.

ان جميع أبنية الوزارات في بغداد تقريبا انشأت في عهود ماضية عندما كانت نفوس بغداد لا تتعدى المليون نسمة (نفوس العراق في عام 1934 وهو العام الذي بنيت فيه وزارة الدفاع، بحسب احصاء ذلك العام ثلاثة ملايين و 213 ألف و 174 نسمة والعاصمة طبعا نفوسها كانت قليلة) ….والآن يقترب عدد سكان بغداد من 10 ملايين نسمة، وهي أصغر محافظات العراق مساحة، كما ان مبنى وزارة الدفاع توسط مركز العاصمة لخدمة أغراض سياسية في حينه ولكن الزمن تغير.

وكذلك فان تحقيق مشروع العاصمة الإدارية في بغداد، يواجه بالتحديات السياسية والمؤسسية التي تجعل تنفيذه أكثر صعوبة وتعقيدا، ويظهر أن تنفيذه سيستغرق مدة طويلة، إذ إن العائق الأكبر أمام مشروع استراتيجي كإنشاء عاصمة إدارية جديدة في العراق لا يكمن في التصميم الهندسي، بل في البيئة السياسية والإدارية نفسها، المبنية على البيروقراطية التي امتزجت بالفساد الإداري والمالي، كما يؤدي الصراع المستمر وعدم انتظام عمل المؤسسات إلى تأخير إقرار الموازنات السنوية، وهذا يسبب شللا في إطلاق المشاريع الاستثمارية الكبرى أو استكمال المتوقفة منها؛ أي مشروع يتطلب تمويلا ضخما ومتواصلا سيتأثر مباشرة بهذا التأخير.

وعليه فان الحل الأمثل الآن هو نقل بنايات الوزارات الى أطراف العاصمة؛ اذ ان تضارب المصالح وتداخل الصلاحيات بين الجهات المختلفة، وضعف الرقابة، فضلا عن الفساد، من الأسباب الرئيسة التي تؤدي إلى فشل أو تباطؤ تنفيذ المشاريع الاستراتيجية في العراق، اذ تتحول المشاريع أحيانا إلى ساحة للصراع على النفوذ.

كما يبرز هنا غياب الرؤية طويلة الأمد، فالأمر مرتبط بعمر الوزارة وينتهي بعد ذلك كل شيء، المشاريع الاستراتيجية بحاجة إلى إجماع سياسي ورؤية حكومية ثابتة تمتد لأكثر من مدة حكومية واحدة، وان التغيير المستمر في القيادات والتوجهات يهدد استدامة المشاريع.

بشكل عام، ليس من الصحيح أن تختلط أبنية الوزارات الكبيرة والسيادية بشكل كثيف ومباشر في قلب المناطق السكنية والتجارية المكتظة، لاسيما في مدينة بمثل حجم بغداد السكاني (يقترب من 10 ملايين نسمة) وبمساحة صغيرة، وذلك للأسباب المتعلقة بمشكلات المرور والازدحام، اذ تعمل الوزارات كمراكز جذب كبيرة لرحلات العمل والمراجعات، مما يولد زخما مروريا هائلاً يفوق قدرة شبكة الشوارع المصممة لحجم سكان أقل (اقل من مليون نسمة سابقا)، ما يسبب اختناقات مرورية خانقة في المركز.

كما ان الإجراءات الأمنية المشددة، وضرورة إغلاق بعض الشوارع، وتواجد حواجز التفتيش حول الوزارات (مثل موقع وزارة الدفاع في الباب المعظم ووزارة التخطيط في كرادة مريم، وغيرهما) تعرقل حركة المارة والنشاط التجاري والترفيهي، وتحول دون الاستفادة الكاملة من هذه المساحات الحيوية في قلب المدينة، لما لتواجد ابنية الوزارات من تأثير سلبي على الحياة العامة.

ان الوزارات السيادية او التي تمارس صلاحيات سيادية، بحاجة إلى مساحات عزل لتطبيق الإجراءات الأمنية الضرورية، ومن غير المنطقي أن يجري ذلك على حساب الشارع العام وحقوق المواطنين في الحركة والتنقل الآمن واليسير.

وتعتمد المعايير الحديثة لتصميم وبناء الوزارات والمباني الحكومية على عدة أسس رئيسة تأخذ في الاعتبار النمو السكاني والتخطيط المستقبلي للمدينة، ومن ذلك الوظيفية والكفاءة، اذ يتوجب أن يكون تصميم المبنى وموقعه ملبيا لاحتياجات العمل الحكومي، مما يسهل سير العمليات الإدارية ويزيد من كفاءتها.

وتتطلب المباني الحكومية، وبخاصة الدفاع، مستويات عالية من الأمان والتحصين، مما يتطلب مساحات واسعة حولها (محيط أمني أو حرم المبنى) لتطبيق الإجراءات الأمنية من دون التأثير المباشر على الأنشطة المدنية المحيطة، وهي في وضع بغداد الحالي غير ملائمة ويتوجب نقلها.

يجب أن تكون المباني الحكومية سهلة الوصول للسكان والموظفين على حد سواء، مع توفير بنية تحتية مرورية وخدمية (مواقف، نقل عام) تستوعب كثافة المراجعين والموظفين من دون إحداث ازدحام، وهو ما لا يتوفر لأبنية الوزارات الحالية.

كما تستدعي ابنيتها تصميما مستداما يقلل من التأثير البيئي ويوفر الطاقة، وتضمين التكنولوجيا الحديثة لتسهيل الإجراءات الحكومية (الحكومة الإلكترونية).

ويفضل جمع الوزارات والدوائر الحكومية ذات الطبيعة المتشابهة في منطقة إدارية مخصصة (العاصمة الإدارية أو حي الوزارات) لتسهيل التنسيق الحكومي وتقليل عدد الرحلات في داخل المدينة، وعدم التأثير في حركة الناس والمركبات.

كما يجب ابعاد ابنية الوزارات عن المراكز المكتظة، وضرورة نقل المباني التي هي بحاجة إلى مساحات شاسعة، أو تتسبب في كثافة مرورية عالية، أو تتطلب إجراءات أمنية صارمة، إلى أطراف المدينة أو منطقة إدارية جديدة لتخفيف الضغط عن قلب العاصمة المكتظ بالسكان والأنشطة التجارية والترفيهية.

اترك تعليقًا

عرض
Drag