سوق المفروشات بين العراق وإيران وتركيا.. رفاهية المستورد ومحنة المحلي
تقارير
يشهد سوق المفروشات والسجاد في العراق خلال السنوات الأخيرة انتعاشًا لافتًا في حركة الاستيراد من دول الجوار، ولا سيما إيران وتركيا، وسط تصاعد الطلب من قبل المواطنين مع تحسّن القدرة الشرائية في بعض المناطق، وتنامي الاهتمام بالمظهر الجمالي للمنازل.
لكن هذا الانتعاش يقابله قلق متزايد من تراجع الإنتاج المحلي وغياب الصناعة الوطنية التي كانت يومًا ما مزدهرة في محافظات كالحلة والنجف والسليمانية.
استيراد متزايد وأرقام متضخّمة
تشير بيانات أولية صادرة عن وزارة التجارة العراقية إلى أن العراق استورد خلال العام الماضي أكثر من 400 ألف قطعة من السجاد والمفروشات من إيران وتركيا فقط، بقيمة تجاوزت 180 مليون دولار، وهي زيادة بنسبة 30% مقارنة بعام 2022.
ويقول عضو الغرف التجارية العراقية محمد الجبوري، لوكالة شفق نيوز، إن “السوق العراقية باتت من أكبر الأسواق المستقبلة للسجاد والمفروشات في الشرق الأوسط، نظرًا لارتفاع الطلب على المنتجات المستوردة، خصوصًا الإيرانية والتركية التي تمتاز بجودة التصنيع وتنوع الأذواق“.
وأضاف أن “إيران تهيمن على ما نسبته 60% من سوق السجاد في العراق، فيما تستحوذ تركيا على نحو 35%، والبقية تأتي من الصين ودول جنوب شرق آسيا”، مبينًا أن “المنتجات الإيرانية تملك سمعة عريقة، خاصة الأنواع اليدوية المعروفة بـ(كاشان) و(تبريز) و(قم)، التي تُعد من أفخم أنواع السجاد في العالم“.
السجاد الإيراني.. تراث يمتد من كاشان إلى النجف
في أسواق بغداد القديمة، تتدلى المفروشات الملوّنة على الجدران كلوحات فنية تتباهى بألوانها ونقوشها الدقيقة.
ويقول التاجر حسين الربيعي، أحد أبرز تجار المفروشات الإيرانية والتركية في بغداد، إن “السجاد الإيراني، وخصوصًا من مدينة كاشان، يُعد الأغلى والأكثر طلبًا بين الزبائن الميسورين، إذ يتراوح سعر المتر الواحد من القطع اليدوية بين 400 و700 دولار، وقد يصل سعر السجادة الكاملة إلى أكثر من 10 آلاف دولار، تبعًا لنوعية الخيوط والنقشة وعدد العقد في كل بوصة“.
ويضيف أن “زبائن كاشان غالبًا ما يكونون من أصحاب المنازل الفاخرة أو الفنادق الكبرى، فهم يبحثون عن سجاد يدوم لعقود ويُعد استثمارًا جماليًا وماديًا في آن واحد”، مشيرًا إلى أن “المواسم الدينية والمناسبات الاجتماعية ترفع الطلب بشكل كبير، خاصة في محافظات النجف وكربلاء، حيث يزداد الإقبال على السجاد المزخرف بالرموز الإسلامية“.
التركي ينافس بالجودة والتصميم العصري
في المقابل، تفرض المفروشات والسجاد التركية حضورًا قويًا في السوق العراقية، لا سيما من ماركات شهيرة مثل Hereke وIpek و Merinos التي تجمع بين الأناقة والجودة الصناعية العالية.
ويبيّن أحد التجار ويدعى خالد أن “السجاد التركي يتميز بتقنيات نسيج حديثة وألوان جذابة تناسب الأذواق الشبابية، وتتراوح أسعاره بين 100 و500 دولار للقطعة الواحدة حسب الحجم والنوع”، لافتًا إلى أن “ماركة Hereke هي الأغلى ثمنًا في السوق العراقية وتُعد المنافس الأقرب للسجاد الإيراني الفاخر“.
ويضيف أن “المفروشات التركية تهيمن على أسواق أربيل والسليمانية ودهوك بسبب القرب الجغرافي والانفتاح التجاري بين إقليم كوردستان وتركيا، بينما تميل الأسواق الجنوبية أكثر إلى المنتجات الإيرانية بحكم التبادل التجاري عبر المنافذ الحدودية في ديالى وواسط وميسان“.
صوت كركوك: ذوق المستهلك وتوازن الأسعار
في سوق المفروشات بمدينة كركوك، يقول التاجر علي أحمد لوكالة شفق نيوز، إن “الزبائن أصبحوا أكثر وعيًا بنوعية السجاد، سواء أكان يدويًا أم صناعيًا، ويميل معظمهم إلى التركي أو الإيراني لجودة الصناعة والمظهر الجذاب، لا لمجرد السعر“.
ويضيف أن “السجاد الإيراني اليدوي يبقى راقيًا ومطلوبًا، لكن كثيرًا من الزبائن يرون أن التركي يمنح شكلًا عصريًا وسعرًا مقبولًا، خاصة قطع Hereke، إلا أن المنافسة تنتهي عندما تظهر قطعة يدوية إيرانية، رغم ارتفاع ثمنها“.
وأشار إلى أن “الاستيراد من إيران غالبًا أسهل وأقل كلفة بسبب القرب والطرق البرية، في حين أن التركي يتطلب رسوم نقل أعلى، لكن الجودة تعوض الفارق”.
