Skip links

هل نصر على تجاهل ركيزة التنمية؟

مقالات

د. محمد الربيعي

في لحظة بدت واعدة، دعيت الى تأسيس جامعات حكومية جديدة وتوسيع القائم منها، بهدف استيعاب اعداد متزايدة من الطلبة لغرض الحد من تمدد التعليم الاهلي الذي بات يهدد التعليم الحكومي المجاني بالتهميش. كان الامل ان تترجم هذه الدعوة الى خطوات مدروسة تعيد للتعليم الحكومي هيبته، لكن ما حدث كان صادما: استجابة الوزارة جاءت عبر تحويل المعاهد التقنية الى كليات جامعية، وكان الحل يكمن في تغيير المسميات لا في معالجة جوهر الخلل.
هذا القرار لا يمكن فهمه الا باعتباره امتدادا لنهج ارتجالي بدا في عهد الوزير علي الاديب، والذي ما زلت استغربه واستهجنه. اذ كيف يعقل ان ينظر الى التعليم المهني والتقني بهذه النظرة الدونية، وكأنه عبء يجب التخلص منه؟ ان تحويل المعاهد الى كليات لا يعد تطويرا، بل هو تهميش ممنهج لقطاع يعد في الدول المتقدمة ركيزة اساسية للنمو الاقتصادي والاجتماعي.
السياسات التعليمية في العراق، للاسف، لا تولي التعليم المهني والتقني ما يستحقه من اهتمام. والمجتمع، بدوره، يكرس هذه النظرة، فيعتبره اقل شأنا من التعليم الاكاديمي، وهو ما ادى الى عزوف الطلبة عنه رغم اهميته الحيوية في رفد سوق العمل بالكوادر المتخصصة. كيف لنا ان نتحدث عن تنمية اقتصادية او نهوض صناعي في بلد يهمش التعليم الذي يعد في الدول المتقدمة ركيزة اساسية للنمو؟
اليوم، نشهد طوفاناً من شهادات البكالوريوس والدكتوراه، بينما نفتقر الى المهارات الوسطى التي تشكل العمود الفقري لأي اقتصاد منتج. الجميع يسعى الى شهادة عليا، بينما السوق يبحث عن مهنيين قادرين على العمل الفعلي. هذه المفارقة تنتج خللا بنيويا في سوق العمل، يتجلى في فقدان التوازن المهني حيث تجد فائض في حملة الشهادات العليا يقابله نقص حاد في الفنيين والتقنيين، مما يعطل قطاعات الانتاج والخدمات. كما نشهد تراجع الاهتمام بالمهن التطبيقية، فالتركيز على التعليم الاكاديمي يبعد الشباب عن التعليم المهني، الذي ينظر اليه بازدراء اجتماعي، رغم انه مفتاح الاقتصاد الحقيقي.
التحدي الاكبر اليوم هو كيف نعيد التوازن بين التعليم الاكاديمي والتعليم المهني؟ وكيف نقنع المجتمع والجهات الرسمية بان التعليم التقني ليس خيارا اقل شانا، بل هو مسار مواز لا غنى عنه؟ فالدول التي فهمت هذه المعادلة نجحت في بناء اقتصادات قوية، بينما نحن ما زلنا نفرط في احد اهم ادوات التنمية.
ان تحويل المعاهد التقنية الى كليات جامعية بجرة قلم لا يعد اصلاحا، بل هو تجاهل صارخ لحاجة العراق الى منظومة تعليمية متكاملة تراعي احتياجات السوق وتعزز من قيمة العمل المهني. فهل سندرك هذه الحقيقة قبل فوات الاوان؟ وهل سنكف عن اتخاذ قرارات مصيرية تمس مستقبل التعليم دون رؤية استراتيجية واضحة؟

اترك تعليقًا

عرض
Drag