Skip links

من النباشين إلى الحرق العشوائي..  “قنبلة موقوتة” في بغداد

تقارير

تغرق العاصمة العراقية بغداد يومياً تحت ركام آلاف الأطنان من النفايات، لتتحول شوارعها وأزقتها إلى مشهد يختصر عجز الدولة عن إدارة واحد من أخطر الملفات البيئية والخدمية.

مواقع طمر عشوائية، حرق يلوث هواء المدينة، مشاريع مؤجلة لتحويل النفايات إلى طاقة، وعبء إضافي على المواطنين”.. كل ذلك يجعل من ملف النفايات قنبلة بيئية واقتصادية موقوتة تهدد حاضر العاصمة ومستقبلها.

ودائماً ما يعود الحديث بين الحين والآخر عن ملف النفايات في بغداد، وآخرها كان حديث الحكومة الحالية عن مشاريع لاستثمار النفايات سواءً في توليد الطاقة الكهربائية أو إعادة تدويرها على غرار دول العالم، الأمر الذي دفع فريق وكالة شفق نيوز، لفتح هذا الملف والوقوف على أبرز الأرقام والمعلومات الخاصة عنه.

كم تبلغ إنتاجات بغداد؟

يقدر الإنتاج اليومي في العاصمة العراقية بغداد من النفايات بحوالي 10 آلاف طن، أي ما يقارب 300 ألف طن شهرياً، مع تضاعف هذه الأرقام خلال المناسبات الدينية والزيارات.

بينما يبلغ معدل إنتاج الفرد العراقي من النفايات في العاصمة بغداد ما بين 1.25 إلى 1.5 كغم يومياً، وهو الرقم الأعلى في عموم أنحاء العالم.

تمتلك أمانة بغداد 12 مكبساً فقط مخصصاً لكبس النفايات قبل نقلها إلى مواقع الطمر الصحي الخاصة بها، وهي موزعة على مختلف مناطق العاصمة.

في المقابل، يوجد في بغداد 221 موقعاً للطمر، منها 149 موقعاً غير نظامي، في حين أن 17% فقط من هذه المواقع تراعي الشروط البيئية المعتمدة.

ووفقاً للمعلومات المؤكدة، فإن بغداد تفتقر حالياً لمعامل متخصصة لتدوير النفايات، بل يجري العمل على مشاريع لتحويلها إلى طاقة كهربائية، فقد دخلت أمانة بغداد في مفاوضات مع شركتين لإنشاء معامل لإنتاج الكهرباء من النفايات في أطراف العاصمة، بهدف تزويد المناطق القريبة بها.

إلا أن هذه المشاريع ما تزال في مرحلة التفاوض بشأن تسعيرة وحدة الكهرباء، ومن المتوقع أن تستغرق حوالي سنتين حتى ترى النور وتدخل خدمة إنتاج الطاقة الكهربائية.

مشروع لتحويل النفايات إلى طاقة كهربائية

تواصل أمانة بغداد جهودها في إدارة ملف النفايات من خلال آلياتها التي تعمل يومياً على جمع المخلفات من شوارع العاصمة وأزقتها، ثم نقلها إلى المكابس الموزعة في دوائر البلديات، حيث تُضغط وتُنقل بواسطة حاويات معدنية متخصصة”، هذا ما قاله المتحدث باسم أمانة بغداد، عدي الجنديل، في بداية حديثه عن ملف النفايات في بغداد.

وفي حديثه لوكالة شفق نيوز، يضيف الجنديل، أن “الأمانة تمتلك موقعين رسميين لطمر النفايات بشكل آمن وبيئي، يقعان خارج حدود العاصمة، الأول في منطقة النباعي (شمال العاصمة بغداد)، والثاني في منطقة النهروان (شرق العاصمة بغداد)“.

وبحسب المسؤول العراقي، فإن الأمانة تعاقدت مع شركة صينية متخصصة لحرق نحو 3 آلاف طن من النفايات يومياً، وتحويلها إلى طاقة كهربائية بقدرة 100 ميغاواط، مبيناً أن الشركة تسلمت الأرض المخصصة للمشروع وهي بصدد استكمال البنى التحتية ونصب المعمل، كما أن الأمانة تدرس في الوقت الحالي إمكانية الاستفادة من النفايات عبر إعادة تدويرها.

وتُظهر المعلومات المتخصصة بهذا الشأن، أن النفايات الصلبة قادرة على توليد ما بين 6 إلى 12 جيجا جول من الطاقة (ما يعادل 1.7 إلى 3.3 ميغاواط/ساعة)، بينما تتميز النفايات البلاستيكية والمطاطية بقدرتها على إنتاج طاقة أعلى حيث تصل إلى 30 – 40 جيجا جول (8.3 إلى 11.1 ميغاواط/ساعة).

وفي مطلع العام الجاري تقريباً، أطلق رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، مشروعاً لتوليد الطاقة من النفايات في منطقة النهروان، فيما أوضح وزير الكهرباء زياد علي فاضل، في وقتها أن العقد أُبرم مع شركة شنغهاي الصينية “SUS” لتنفيذ المشروع بكلفة تقارب 498 مليون دولار، مع منح الشركة حق الاستثمار لمدة 25 عاماً.

النفايات”.. أحد مصادر تلوث بغداد

ويقول عضو مرصد “العراق الأخضر” عمر عبد اللطيف، لوكالة شفق نيوز، إن “ملف النفايات يبقى في الوقت الراهن مصدراً للنباشين الذين يستفيدون منها قبل أن تتعرض لاحقاً للحرق، وهو ما يُعد من أبرز مصادر التلوث في العاصمة العراقية بغداد“.

وبحسب حديث عبد اللطيف، فإن عمليات الحرق العشوائي تشكل مشكلة بيئية وصحية كبيرة، خصوصاً في المناطق القريبة من مواقع الطمر، حيث يشتكي السكان من الأضرار المباشرة، خصوصاً وأن مواقع الطمر كانت تُنشأ سابقاً في أطراف العاصمة، غير أن التوسع العمراني أدى إلى وجود بعضها داخل مناطق مأهولة، ما جعلها أكثر خطورة على البيئة وصحة المواطنين.

ويشكو سكان العاصمة بغداد من تراكم النفايات في الشوارع، لا سيما في الأزقة والمناطق الضيقة، في ظل تراجع خدمات البلدية وضعف آليات رفع النفايات.

ويعتمد الأهالي، بحسب مراسل وكالة شفق نيوز، بشكل متزايد على سيارات القطاع الخاص المتخصصة في جمع النفايات، مقابل مبالغ مالية تُستوفى إما بشكل يومي أو عبر اشتراكات شهرية تتراوح بين 10 آلاف و15 ألف دينار عن كل منزل، الأمر الذي يضيف عبئاً مالياً على الأسر البغدادية في وقت تعاني فيه المدينة من تحديات خدمية وبيئية متفاقمة، على حد قولهم.

تأثيرات بيئية.. وتحركات معدومة

في المقابل، ينتقد الخبير البيئي أحمد الصالح، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، استمرار وجود مواقع الطمر الصحي داخل العاصمة بغداد حتى الوقت الحالي.

ووفقاً لحديث الصالح، فإن مواقع الطمر الصحي تُعدّ من أبرز مصادر التلوث، إذ تطلق الغازات والدخان وتضاعف الانبعاثات الكربونية، في وقت تعتمد فيه معظم دول العالم على هذه المواقع كمحطات للاستثمار وإعادة التدوير، مبيناً أن ما يجري في بغداد يقتصر على فرز محدود لبعض المواد مثل البلاستيك والألمنيوم، في حين تهدر كميات ضخمة من النفايات القابلة لإعادة الاستخدام في الصناعات المختلفة.

كما يتحدث الخبير البيئي، قائلاً إن “هذه النفايات تمثل ثروة مهدورة يمكن أن يستفيد منها المستثمرون والتجار والعمال على حد سواء”، لافتاً إلى أن “مواقع الطمر الصحي في العالم تولّد طاقة كهربائية وغازات قابلة للاستثمار، بل وحتى مياه ساخنة تُستخدم للتدفئة، بينما ما زال هذا الملف في العراق يعاني من الإهمال، على الرغم من تقارير وزارة البيئة المتكررة المرفوعة إلى وزارات معنية مثل البلديات والصحة”.

اترك تعليقًا

عرض
Drag