لا رجعة للاستبداد
مقالات
مشتاق الربيعي
محاولة إسكات الأصوات الوطنية، التي تتبنى النقد البنّاء والموضوعي، أمرٌ غير مقبول إطلاقاً، لأن حرية التعبير حقٌ كفله الدستور العراقي في المادة (38)، التي نصّت صراحة على ضمان حرية الرأي والتعبير بجميع الوسائل.
إلا أن المخاوف تتصاعد اليوم بشأن مشروع قانون جديد لحرية التعبير، يُخشى أن يتحول من أداة لتعزيز الحرية إلى وسيلة لتقييدها.
فالكثير من المختصين والناشطين يعترضون على بعض بنود هذا المشروع، التي تتضمن اشتراط الإذن المسبق للتظاهر، وتضمين تعريفات فضفاضة ومبهمة لمفاهيم مثل “النظام العام” و”الآداب العامة”، إضافةً إلى عقوبات مشددة قد تُفرض على النشر عبر مواقع التواصل الإجتماعي.
ورغم تأكيد الجهات الحكومية أن الهدف من القانون هو “تنظيم حرية التعبير بشكل واضح” و”توفير فضاء أوسع للحريات”، إلا أن الانتقادات تشير إلى أن الصياغة الغامضة لبعض المواد قد تجعل منه أداةً لتكميم الأصوات المعارضة وتقييد الحريات العامة التي ضمنها الدستور، وسياسة تكميم الأفواه غير مجدية على الإطلاق.
إن القانون الحقيقي هو الذي يحمي المواطن لا الذي يُخيفه، ويُرسّخ العدالة لا الذي يُفرغها من مضمونها. فالديمقراطية لا تُبنى على إسكات المختلفين، بل على صون حقهم في التعبير بكل أشكاله، ما دام هذا التعبير لا يمسّ بالوطن ولا يحرض على العنف أو الكراهية. وإن خطاب الكراهية مرفوض رفضاً تاماً من قبل جميع العقلاء، لأنه يُقسّم ويهدد السلم الأهلي والمجتمعي .
لكن في الوقت نفسه، لا نريد أن نرى “جمهورية الخوف” من جديد، فزمن الدكتاتورية والاستبداد والطغيان قد ولّى إلى غير رجعة، ولن يقبل الشعب العراقي بالعودة إلى الوراء بعد كل ما قدّمه من تضحيات في سبيل الحرية والكرامة.
وبرغم أن حرية التعبير مازالت متواضعة في واقعنا الحالي، فإننا نطمح أن نراها في مستوى أرقى وأوسع، من خلال تشريع قوانين جديدة تدعم حرية الرأي وتُعزّز مناخ الديمقراطية في عراقنا الحبيب.
فحلمنا جميعاً هو أن نرى دولة المواطنة والعدالة والمساواة، الحلم الذي طال انتظاره ولايزال يعيش في ضمير كل عراقي مؤمن بوطن حر كريم.
إن حلم إقامة الدولة المدنية ما زال قائماً في وجدان العراقيين جميعاً، إلا أن إرادة الشعب أقوى، وإيمانه بالحرية والعدالة باقٍ لا يزول.
