قرار مجلس الأمن حول غزة: صمت العمالقة وخذلان الأخوة
أمل رأفت
التصويت الأخير الذي تم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول غزة، والذي جاء بموافقة أمريكية و”تأييد” عربي، يمثل نقطة تحول خطيرة ويومًا من خيبة الأمل العميقة لأهالي غزة وقضيتهم العادلة.
هذا القرار، الذي يُفترض أنه جاء لتخفيف الأزمة، يُنظر إليه من وجهة نظر الغزيين كـخطر وجودي يشرعن ويطيل أمد معاناتهم، ويقوض حقهم الأصيل في الحياة على أرضهم.
بالنسبة لغزة، هذا القرار ليس مجرد ورقة دبلوماسية؛ بل هو سيف مسلط على مستقبل القطاع.
ترى شرائح واسعة من الشعب الغزي أن المشروع الأمريكي يسعى لتحقيق الأهداف خبيثة، مما يفسر رفضهم القاطع حيث شرعنة الحصار والاحتلال، فقد يمهد القرار لمرحلة يتم فيها إعادة ترسيم السيطرة على القطاع بما يخدم الأجندة الإسرائيلية-الأمريكية، تحت غطاء آليات مراقبة أو إغاثة دولية، مما يكرس الاحتلال بشكل جديد.
في حين يهديد الحق في الحياة والبقاء من خلال التخطيط المستمر لـعمليات التهجير القسري للسكان الأصليين من أراضيهم، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عبر تدمير البنية التحتية والمنازل وجعل الحياة مستحيلة، هو الهدف الأسمى للمطامع الإسرائيلية-الأمريكية. هذا القرار، بغموضه، لا يضع ضمانات كافية لوقف هذا التهديد.
ولا نتغاضى أيضا أن الهدف الأساسي لواشنطن وتل أبيب هو تصفية القوة الذاتية لغزة المتمثلة في فصائل المقاومة، وتحويل القطاع إلى كيان منزوع السلاح يسهل السيطرة عليه.
بعيد عما سردته سابقا فإن من أكثر الجوانب إيلامًا في هذه الأزمة هو الموقف الدولي والإقليمي متمثلا في خذلان الأشقاء العرب حيث أن تصويت أو موافقة بعض الدول العربية على قرار لا يلبي الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية ولا يدين العدوان بوضوح، يمثل خيانة صارخة لقضية غزة.
ويُنظر إلى هذا الموقف كـانصياع للأجندة الأمريكية وتفضيل للمصالح الخاصة على حساب دم ووجود الشعب الفلسطيني. هذا التواطؤ يمنح الاحتلال غطاءً سياسيًا عربيًا لم يكن ليحصل عليه بمفرده.
ومن جهة أخرى فإن الغرابة الأكثر تمثلت في تخلي القوى الكبرى (روسيا والصين) حيث أن عدم استخدام كل من روسيا والصين حق النقض (الفيتو) لإجهاض مشروع القرار الأمريكي يمثل صمتًا مطبقًا وموقفًا مخيبًا للآمال على الرغم من علاقاتهما المتوترة مع واشنطن، إلا أن امتناعهما عن اتخاذ موقف حاسم يخدم تطلعات أهالي غزة، يثير تساؤلات حول مدى جديتهما في دعم حقوق الشعوب المستضعفة عندما يتعارض الأمر مع مصالحهما الجيوسياسية الخاصة.
والريبة الأكبر هي أن جوهر المشروع الأمريكي-الإسرائيلي هو السيطرة التامة على القطاع وإعادة تشكيله بما يخدم أمن تل أبيب ومصالح واشنطن الاستراتيجية في المنطقة بما يحمله من أهداف خفية لكنها واضحة وضوح الشمي متمثلة في القضاء على استقلالية القرار الفلسطيني قبل القرار الغزي بضمان عدم قدرة غزة على تهديد الأمن الإسرائيلي مجددًا”وهم إعلامي تسوقه آلى الإعلام الصهيوأمريكي“.
كما تسعى لإقامة منطقة عازلة (Buffer Zone) بحجة فرض منطقة أمنية داخل أراضي القطاع لتوسيع “المساحة الآمنة” لإسرائيل على حساب أراضي غزة.
والأخطر في الموضوع هو إعادة التوطين والتهجير حيث أن الهدف الأكبر هو دفع أكبر عدد ممكن من سكان غزة للبحث عن مأوى خارج القطاع، سواء في سيناء أو في أماكن أخرى، لتسهيل السيطرة على الأرض والذاكرة الفلسطينية.
وتجاوزا لما سبق وشخصيا كان لموقف السلطة الفلسطينية وقعا غريبا على النفس مزح بغضب وحزن ووقع صدمة في حين أن كل شئ متوقع منهم إلا أن الترحيب كان في غير محله وتضحية بالمستقبل من وجهة نظري على الأقل.
إن المشهد السياسي المأساوي يزداد تعقيدًا وإيلامًا مع الموقف الرسمي الذي تبنته السلطة الفلسطينية في رام الله بقيادة محمود عباس .
ففي خضم الرفض الشعبي والجذري في غزة لهذا القرار، خرجت السلطة مرحبةً بالمشروع الأمريكي، وهو ترحيب يُنظر إليه على نطاق واسع في الشارع الفلسطيني كـغباء سياسي مطبق وتضحية بمستقبل القضية الوطنية.
وينبع الغضب من أن ترحيب السلطة بهذا القرار، الذي يركز على “الإغاثة” ويغفل عن ضمانات إنهاء الاحتلال والتهجير، هو بمثابة تجريد المقاومة الشعبية من شرعيتها والقبول بأي مشروع أمريكي-إسرائيلي لا يضمن حقوق الشعب في الدفاع عن نفسه هو تخلي عن الدور الوطني.
والترحيب بالقرار يرسل إشارة بأن رام الله تقبل بمحاولات تصفية غزة بشكل نهائي، وهو ما يُضعف أي إمكانية لوحدة وطنية مستقبلية.
في حين أن ترحيبها يشكل حالة من بيع الحقوق مقابل الوهم حيث ترى السلطة في هذا القرار فرصة لـالعودة إلى غزة تحت غطاء دولي وإقليمي، لكن هذا الطموح يبدو وكأنه وهم سلطوي بعيد عن تطلعات الشعب. فبدلًا من أن تستغل السلطة الظرف للضغط من أجل حل شامل يؤدي إلى قيام دولة مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، تقبل بمشروع يكرس الانقسام الجغرافي والسياسي ويجعل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة أمرًا أكثر صعوبة.
والأخطر تقويض الرواية الوطنية حيث إن الموافقة على خطة أمريكية لا تتضمن وقفًا فوريًا وشاملاً للعدوان ولا تدين بشكل واضح جرائم الاحتلال، تُقوض الرواية الفلسطينية وتمنح الاحتلال فرصة للقول إن هناك “شريكًا فلسطينيًا” يقبل بالصيغة المطروحة، مما يضعف الموقف الفلسطيني ككل أمام المجتمع الدولي.
بالتالي، يُنظر إلى موقف رام الله على أنه انفصال عن الواقع واستهانة بمصير غزة، بل وتهديد صريح لمصير الدولة الفلسطينية المستقلة التي من المفترض أن تناضل السلطة من أجلها.
في الختام، قرار مجلس الأمن، الذي مرّ بضوء أخضر من واشنطن وصمت من حلفاء محتملين وموافقة مؤسفة من أشقاء، يُنظر إليه في غزة على أنه إطالة لعمر الأزمة وتجاهل لمطالب الشعب الفلسطيني الجوهرية في وقف العدوان، والانسحاب الكامل، وضمان حق العودة.
لا يمكن لشعب مُهدد بالزوال على أرضه أن يقبل بقرار يفتقر إلى الإرادة الحقيقية لإنهاء الكابوس، ويُبقي الأبواب مشرعة أمام المطامع الأمريكية والإسرائيلية لـتفكيك غزة أرضًا وشعبًا.
