Skip links

في خضم فشل العملية السياسية هل ستكون الانتخابات القادمة مفصلية

تقارير

كتب المحرر السياسي للتجمع

لقد أصبح واضحاً أن العملية السياسية في العراق، بشكلها الحالي، عقيمة إلى درجة أنها لم تستطع حتى إنتاج انتخابات نزيهة تعبر عن تطلعات الناس، او تمثل ارادتهم الحقيقية، فكيف يمكن لنظام مرتبك ان يشرف على عملية ديمقراطية؟ وكيف يُنتظر من مفوضية تُعين من قبل القوى المتنفذة ان تكون مستقلة فعلاً؟ ومع اقتراب كل دورة انتخابية جديدة في العراق، يُعاد طرح ذات الاسئلة المتكررة الى الواجهة: هل ستكون هذه الانتخابات مفصيلة؟ وهل ستكون لحظة التحول المنتظرة لانهاء الفساد، وكسر دائرة الاخفاقات واعادة الامل للشعب العراقي؟ وهل ستمثل بداية لتغيير حقيقي في المشهد السياسي الذي وصف طويلاً بانه عقيم وفاشل؟

هذه الاسئلة وان كانت تظهر منطقية للوهلة الاولى الا ان تكرارها بات اشبه بالوهم السياسي، لانه ومنذ 2005 وحتى اليوم خاض العراق عدة جولات انتخابية، وكان الشعب العراقي يعلق امالاً كبيرة على هذه الانتخابات، لكنها في الحقيقة لم تكون سوى محطات لتدوير ذات الوجوه وتعميق ذات الازمة، وكان يقال عنها انها “انتخابات مفصلية”، ولكن للاسف وبعد كل جولة، تتكشف الحقائق مجدداً: دورة انتخابية تجري وسط تدخلات خارجية صارخة، ومال سياسي يشتري النفوذ، ومحاصصة طائفية تمزق هوية الدولة وتحكم على النتائج قبل حتى صناديق الاقتراع، وطبقة سياسية لا تؤمن بالاصلاح قدر ايمانها بالحفاظ على مكاسبها، وهذا ليس لان هناك خلل يكمن في الانتخابات كأداة ديمقراطية، بل في البيئة السياسية الملوثة التي تفرزها هذه الانتخابات.

في ظل هذه المعطيات، من السذاجة المراهنة على ان الانتخابات القادمة ستكون مختلفة، لانها ببساطة، تجرى بذات الادوات، وتحت ذات السقوف، ولخدمة ذات الاجندات، بل والاسواء، ان معظم هذه الانتخابات، بدلاً من ان تكون محطة لتصحيح المسار، اصبحت اداة لاعادة انتاج نفس الوجوه، ونفس السياسيات، ونفس الخيبات، فكيف يمكن لعملية سياسية مشوهة ان تفرز انتخابات نزيهة؟ وكيف يمكن لطبقة سياسية تمسك بكل مفاصل الدولة ان تسمح بحدوث تغيير حقيقي يهدد وجودها؟

الواقع يشير الى ان اي انتخابات تُجرى في هذا الاطار، لن تكون سوى تكرار لما سبق، وبالتالي، فالحديث عن “انتخابات مفصلية” يبدو بعيداً كل البعد عن الواقع، المشكلة لا تكمن فقط في آلية الاقتراع، بل في المنظومة السياسية بأكملها: في قانون الانتخابات، في استقلالية المفوضية، في وعي المواطن الذي انهك واحبط، وفي قدرة الخارج على التحكم في الداخل.

ان أي انتخابات قادمة، ما لم تجري وفق شروط جديدة تضمن النزاهة، وتكسر هيمنة الاحزاب الفاسدة، وتُنهي تدخل الخارج، لن تكون الا حلقة اضافية في مسلسل الفشل السياسي، لا يمكن لشعب ان يتفاءل بربيع ديمقراطي، بينما التربة ما زالت مُسممة بالفساد، والشتلات تزرع بأيد لا تؤمن بالتغيير، ان التغيير الحقيقي في العراق لن يأتي عبر صناديق تدار داخل منظومة مختطفة، بل عبر وعي شعبي جماعي وضغط شعبي منظم يرفض تدوير الفشل، ويفرض قواعد جديدة للعبة السياسية برمتها ويصر على إعادة بناء الدولة من جذورها، وإذا كانت معظم مخرجات العملية السياسية قد كرّست الفشل وأعادت تدوير ذات الوجوه، فإنه من الإنصاف أيضاً الإشارة إلى أن بعض الشخصيات السياسية وأعضاء في البرلمان العراقي كان لهم دورهم المشهود في الدفاع عن استقلالية القرار الوطني، ووقفوا بوجه التدخلات الخارجية، وسعوا جاهدين لتحسين الأداء السياسي داخل حدود الممكن. غير أن جهود هؤلاء، على أهميتها، ظلت محدودة التأثير في ظل هيمنة القوى المتنفذة، واستمرار منظومة المحاصصة والفساد، مما يجعل من الصعب الحديث عن تحول حقيقي ما لم تتغير القواعد الكلية للعملية السياسية.

ففي النهاية، لا يمكن ان يُنتظر من شجرة يابسة ان تمثر ثمراً طيباً.

اترك تعليقًا

عرض
Drag