غضب عارم واحتجاجات واسعة ضد قانون حرية التعبير
تقارير
عاد الجدل مجدداً إلى الساحة السياسية والحقوقية في العراق بعد إدراج مجلس النواب مشروع قانون “حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي” ضمن جدول أعمال جلساته اليوم وأمس، وذلك في خطوة رأى فيها البعض ضرورة تنظيمية، بينما حذر آخرون من مخاطرها على الحريات العامة.
فيما اتهمت الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين مجلس النواب بـ”التعمد” بعدم نشر مشروع القانون، الذي تم إدراجه على جدول أعمال الجلسة لمناقشته.
مخاوف من تقييد الحريات
وبهذا السياق، تقول الحقوقية أنوار الخفاجي إن عودة مشروع قانون “حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي” إلى أجندة مجلس النواب، في ظل تسارع القوى السياسية نحو تشريع قوانين مؤجلة، أثار جدلاً واسعاً بين من يراه تنظيماً ضرورياً للحريات المدنية، ومن يعتبره تهديداً لها.
وأوضحت الخفاجي لوكالة شفق نيوز، أن التحذيرات التي أطلقتها منظمة العفو الدولية، والتي اعتبرت أن صيغة القانون الحالية تمثل انتكاسة خطيرة لحرية التعبير وتتعارض مع الدستور والمواثيق الدولية، تعكس عمق المخاوف الحقوقية من محتوى المشروع.
ورغم إعلان لجنة حقوق الإنسان البرلمانية عن تعديلات شملت تقليل العقوبات وإلغاء الجزائية منها، إلا أن بنوداً مثل الإذن المسبق للتظاهر، حظر ارتداء الأقنعة، وتحديد أوقات الفعاليات، لا تزال تثير شكوكاً كبيرة، بحسب الخفاجي.
وأكدت أن استخدام تعابير فضفاضة كـ”النظام العام” و”الآداب العامة” قد يفتح الباب أمام قمع الأصوات المعارضة، خاصة في ظل غياب قضاء مستقل قادر على منع التعسف.
واعتبرت الخفاجي أن الجدل الدائر حول القانون يعكس صراعاً بين رؤية حقوقية تدعو لضمان الحريات، ومقاربات أمنية تتبناها جهات تخشى من تجدد الحراك الشعبي مع اقتراب الانتخابات، مشيرة إلى أن منظمات مدنية وحركات احتجاجية مستمرة في الضغط لتعديل القانون بما يضمن عدم استخدامه كأداة تقييدية.
بحاجة لتعديلات جوهرية
بدوره، يؤكد الخبير القانوني علي التميمي، أن مشروع قانون “حرية التعبير والتظاهر السلمي” المطروح أمام البرلمان العراقي يثير العديد من الإشكالات القانونية والدستورية، مشيراً إلى أنه تعرض لـ17 ملاحظة طعن جوهرية تتطلب إعادة النظر في صياغته.
وأوضح التميمي لوكالة شفق نيوز، أن حرية التعبير منصوص عليها بشكل مطلق في المادة 38 من الدستور العراقي، وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادق عليه العراق، مؤكداً ضرورة عدم المساس بها تحت أي ذريعة.
وبيّن أن مشروع القانون، المكوّن من 17 مادة، افتقر إلى تعاريف دقيقة لمفاهيم أساسية كـ”الاعتصام” و”الإضراب” و”النظام العام” و”الآداب العامة”، وهو ما يفتح الباب لتأويلات واسعة قد تُستخدم لتقييد الحريات.
وأشار التميمي إلى أن منح مفوضية حقوق الإنسان صلاحية الفصل في الطعون يخالف مبدأ الفصل بين السلطات، داعياً إلى أن تكون هذه الصلاحية للقضاء الإداري، كما طالب بإدراج نصوص واضحة لمساءلة الأجهزة الأمنية عن أي تجاوزات، وضرورة أن يتم تطبيق القانون تدريجياً بعد صدور التعليمات الخاصة به.
وانتقد التميمي إناطة إصدار التعليمات بالجهات الأمنية، معتبراً أن مجلس الوزراء هو الجهة الأنسب لذلك لضمان الحياد. كما دعا إلى استبدال العقوبات الجسدية بالغرامات، والامتناع عن إحالة المخالفات إلى قانون العقوبات العراقي الصادر عام 1969.
وأضاف أن اشتراط الحصول على إذن للتظاهر من رؤساء الوحدات الإدارية يُعد قيداً غير مبرر، مطالباً باعتماد مبدأ الإشعار فقط، كما هو معمول به في عدد من الدول.
وشدد على أن تكرار عبارة “بما لا يتعارض مع النظام العام والآداب العامة” يجب أن يُقابل بإضافة “بما لا يتعارض مع الدستور“.
ولفت التميمي إلى أن المادة المتعلقة بإنشاء قاعدة بيانات يجب أن تشمل أيضاً القطاع الخاص، مشيراً إلى أن القانون لم يحدد جهة الاستئناف في حال رفض مفوضية حقوق الإنسان لطلبات التظاهر.
كما عبّر عن مخاوفه من تقييد الاجتماعات والمناسبات الخاصة، ومنها الأعراس والمآتم والمجالس الدينية، بسبب تحديد مواعيدها إلى الساعة العاشرة مساءً فقط، وهو ما اعتبره تقييداً واضحاً للحريات.
وانتقد المادة 11 التي تتيح استخدام القوة لتفريق المتظاهرين، مطالباً بتقييد ذلك وفق المعايير والاتفاقيات الدولية. ودعا أخيراً إلى تضمين نصوص صريحة تمنع التظاهرات التي تدعو للطائفية أو تروج للمثلية، وفقاً للقوانين العراقية السارية.
تحذير من تقييد الحريات
من جانبه، يحذّر المحلل السياسي مجاشع التميمي، من أن مشروع قانون حرية التعبير بصيغته الحالية قد يُستغل من قبل بعض الجهات السياسية كأداة لتقييد الحريات بدلاً من حمايتها، مستنداً إلى “تعابير فضفاضة” مثل “النظام العام” و”الآداب العامة”، التي قد تُستخدم لإسكات الأصوات المعارضة.
وقال التميمي لوكالة شفق نيوز، إن تمرير القانون بالصيغة المطروحة حالياً قد يخدم أطرافاً نافذة تسعى إلى تقويض حرية الشارع العراقي بما يضمن بقاءها في السلطة، محذراً من أن يتحول النص القانوني إلى غطاء قانوني للقمع أو ذريعة لاعتقالات تعسفية، لا سيما في ظل غياب تعريفات دقيقة لمفاهيم مثل الأماكن العامة والخاصة، وعدم وضوح مسؤوليات الأجهزة الأمنية.
ودعا التميمي إلى صياغة قانون بديل يضمن حقوق المتظاهرين ويكفل حرية التعبير، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، على أن يتضمن القانون ضمانات واضحة، وينظم فض التظاهرات وفق المعايير الدولية، مع الالتزام الصارم بالدستور العراقي، وخاصة المادة 38 التي تنص على حماية حرية التعبير والتظاهر السلمي.
وشدّد التميمي على أن تشريعات الحريات ينبغي أن تكون أداة لحماية صوت الناس، لا وسيلة لتكميم الأفواه أو ترهيب المعارضين.
تنظيم التظاهر ضروري بشرط
من جهته، يؤكد المتحدث باسم مركز الإعلام الرقمي، حسين المولى، أن تنظيم حق التظاهر بات ضرورياً، شريطة ألا يتحول إلى وسيلة لتقييد الحريات أو وضع عراقيل أمام التجمع السلمي، مشيراً إلى أن “فكرة التظاهر تثير قلق الأنظمة السياسية في العراق وغيرها، وهو ما يستدعي وجود إطار قانوني يطمئن السلطات ويحمي في الوقت ذاته حق المتظاهرين“.
ويضيف المولى لوكالة شفق نيوز، أن مشروع قانون التظاهر خضع لقراءتين في مجلس النواب، الأولى في 3 كانون الأول/ ديسمبر 2022، والثانية في 9 أيار/ مايو 2023، وقد بقي لفترة طويلة دون حسم، مشيراً إلى أنه أصبح من الضروري إدخاله في طور التشريع.
وأوضح أن القراءة الثانية عالجت عدداً من النقاط الخلافية، إلا أن بعض النصوص ما تزال بحاجة إلى إعادة صياغة لضمان وضوحها وعدم المساس بالحقوق الدستورية للمواطنين.
العفو الدولية
هذا وكانت منظمة العفو الدولية، حذّرت أول أمس الجمعة، من أن مشروع القانون المعروض أمام البرلمان العراقي يهدد الحريات العامة، مطالبة برفضه أو تعديله ليتماشى مع الدستور والمواثيق الدولية.
وأشارت المنظمة في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، إلى أن القانون صيغ دون مشاورات مع المجتمع المدني، ويمنح السلطات صلاحيات إضافية لقمع حرية التعبير والتجمع. كما انتقدت تغيير اسمه إلى “قانون التظاهر السلمي”، ورفضت استخدام مصطلحات فضفاضة قد تُستخدم لإسكات المعارضين.
لكن في المقابل، أصدرت لجنة حقوق الإنسان النيابية بياناً أكدت فيه أن مشروع القانون، بعد إجراء تعديلات وإلغاء الفقرات التي تتضمن عقوبات جزائية وأخذ الموافقات اللازمة، لا يحد من حق التظاهر السلمي، بل يعززه ويضمن عدم تدخل الجهات الحكومية أو الأمنية في حرية التعبير.
وشددت اللجنة على أن حرية التعبير والتظاهر السلمي مكفولة دستورياً وفق المادة 38 من الدستور العراقي، مشيرة إلى أن القانون الجديد يهدف إلى حماية هذه الحقوق وتعزيزها بما يتوافق مع المعايير الدستورية.
