Skip links

عن أي ديمقراطية تتحدثون ؟

أ. د. محمد طاقة

أثار اهتمامي خبر مفاده ، أن الرئيس الأمريكي السيد دونالد ترامب ، اتصل هاتفياً بالرئيس الفنزويلي وطلب منه مغادرة البلاد إلى روسيا ، وخاطب عضو الكونغرس الأمريكي

  ( إلهان عمر ) أمريكية من أصول صومالية ، بطريقة تدل على العنجهية الأمريكية الاستعلائية والعنصرية . وهي نفس اللغة التي يستخدمها رؤساء أمريكا والمسؤولين الكبار فيها . ومقالي هذا عبارة عن تحليل نقدي حول زيف الخطاب الديمقراطي في المنظومة الرأسمالية المعاصرة .

‏لم يعد الشعار الأمريكي  (( الديمقراطية وحقوق الإنسان )) سوى غطاء يستخدم لتبرير التوسع والهيمنه وفرض النفوذ. فبينما ترفع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الراية الأخلاقية، تكشف السياسات الواقعية عن وجه آخر(تهديد، حصار، انقلابات، حروب، غزو ) ووقائع دامية تمتد من القارة الأمريكية نفسها بعد اكتشافها، إلى الشرق الاوسط وإلى كل رقعة في العالم يعلو فيها صوت الثروات أو المصالح. تطرح هذه المقالة سؤالا محوريا يتردد اليوم على ألسنة الشعوب التي عانت ويلات الحروب والعقوبات والتجويع، عن أي ديمقراطية تتحدثون ؟

انتم تكذبون وتظللون شعوبكم وشعوب العالم كونكم حملة راية الديمقراطية وحقوق الانسان ، وتمارسون ابشع انواع الاضطهاد والتعسف والعبودية مع أمم وشعوب العالم .

‏كيف يمكن لمن يبشر بالديمقراطية أن يبني دولته على أبادة سكان أصليين  ؟

‏لقد تأسست الولايات المتحدة على جماجم ((الهنود الحمر)) الذين قتلوا وشردوا وهجروا

في واحدة من ابشع المذابح البشرية المنظمة

‏وبعد التأسيس ، لم تتوقف ماكنة الحرب الامريكية ، اكثر من ( 90 – 96)  حرباً وتدخلاً وانقلاباً عسكرياً ، منذ القرن الثامن عشر وحتى اليوم ، من فيتنام إلى العراق ، ومن نيكاراغوا وغواتيمالا إلى ليبيا وافغانستان ، الذرائع واحدة ( الحضارة ، الحرية ، حقوق الإنسان ، الديمقراطية ) بينما الواقع واحد ، نهب الثروات والسيطرة على العالم . ان التهديد الأمريكي للرئيس الفنزويلي والخطاب العنصري اتجاه  عضو الكونغرس الأمريكي، يكشفان حقيقة العقل الإمبراطوري الذي ينظر به للعالم من فوق ، وهي ذات اللغة التي تحدث بها المستشرق اليهودي الماسوني ( برنارد لويس ) حين وصف شعوب العالم الثالث بانهم ( وحوش ينبغي منعهم من تهديد وتدمير الحضارة الغربية) . انه خطاب لا يختلف عن تصريح جورج بوش الابن ( من لم يكن معنا فهو ضدنا ) ولا عن قول ترامب ان ( السلام يمكن فرضه بالقوة ) ولن ننسى ان أمريكا هي من القت قنبلتين ذريتين على ( هيروشيما و ناغازاكي) وقتلت مئات الآلاف ، ثم منعت العالم من امتلاك الطاقة النووية السلمية . وقامت بقصف مفاعل تموز النووي العراقي ، وتعلن عن رفضها للبرامج  النووية لدول عربية وغير عربية ، بينما تغض الطرف بالكامل عن الترسانة النووية الاسرائيلية التي تتجاوز (80-100) راس نووي بحسب تقديرات دولية . فأين هي المعايير ؟ ولماذا يسمح لاسرائيل ما يمنع على الآخرين ؟ لا يمكن فهم ما يحدث في المنطقة من دون فهم المخطط الرأسمالي لتمزيق الشرق الأوسط ، من العراق إلى سوريا ولبنان والسودان واليمن وليبيا ، من خلال زرع الفتن وتشجيع الانقسامات والحروب الاهلية ، ليس حباً بالديمقراطية ، بل سعياً لتفتيت دول قوية كانت قادرة على تشكيل قوة إقليمية مانعة ، كالعراق ابان الحكم الوطني الذي وقف ضد المخطط الرأسمالي . استخدمت أمريكا كل من إيران وإسرائيل ( رغم العداء المعلن مع ايران ) دوراً متكاملاً في اعادة تشكيل المنطقة وفق استراتيجية واحدة (( اضعاف الامة العربية ونهب ثرواتها ومواردها النفطية والغازية)) . رغم الضجيج حول العداء بين أمريكا وايران ، إلا ان الواقع يشهد انها استخدمت ايران كورقة لتفتيت المنطقة ، وضرب العراق ، وتمزيق النسيج العربي . كذلك إسرائيل التي تمارس الدور ذاته في فلسطين وسوريا ولبنان ،  بينما تحصل على دعم أمريكي غير محدود (( سلاح ، مال ، حماية دولية ، فيتو في مجلس الامن )) والنتيجة واحدة ، المحيط العربي ممزق ، ضعيف ، مستنزف . ان أمريكا تسيطر على الصناعات الكبرى في العالم ، (( النفط ، الغاز ، الادوية ، الغذاء ، السلاح ، التكنولوجيا )) ، وحين تمتلك القدرة على التحكم  بالسلاح والدواء والغذاء والطاقة ، يصبح الحديث عن الديمقراطية وحقوق الانسان مجرد مسرحية . ولهذا غزت العراق الغني باحتياطيات النفط ، وتسعى للهيمنة على نفط فنزويلا . علماً ان النفط هو الدم الذي يغذي المنظومة الرأسمالية . ان ما يحدث في غزة يكشف الزيف بأبسط صوره ، فبينما ترفع واشنطن راية حقوق الإنسان ، تدعم إسرائيل التي دمرت غزة بالكامل ، (( قتل جماعي ، حصار ، تجويع ، تهجير ، إبادة البنى التحتية ، تدمير الاف المنازل ، الاف القتلى من الأطفال والنساء )) . ومع ذلك تستمر أمريكا بالدعم دون خجل ، وتمنع اي قرار دولي يدين إسرائيل عبر الفيتو .فما معنى الديمقراطية حتى يقتل  مدينة كاملة امام العالم  كما فعلوا ذلك في الموصل وحلب . فعن اي ديمقراطية تتحدثون؟ جاءت أمريكا إلى العراق تحت شعار ( الديمقراطية) لكن ماذا جنى العراقيون؟ (( اكثر من (2) مليون قتيل و (6) مليون مشرد ومهجر ومغيب ، و(4)مليون مهجر خارج العراق من الطبقة الوسطى ، انهيار التعليم والصحة ، انتشار المليشيات والسلاح المنفلت ، تفكيك المجتمع إلى طوائف وقبائل وأحزاب ، سرقة ونهب ثروات العراق ، واخيراً تسليم العراق إلى إيران)) ، هذه هي الديمقراطية التي وعدوا بها العراقيين . من المعلوم ان الشركات الكبرى هي التي تتحكم في الاقتصاد العالمي وحتى تتحكم في الانتخابات ، في أمريكا كما في إسرائيل والدول الرأسمالية،تتنافس احزاب شكلية لا تختلف في القضايا الجوهرية ، والانتخابات تمولها وتوجهها شركات عملاقة مثل شركة (بلاك روك) ومجموعة (فانغارد) وشركات السلاح والأدوية بالإضافة لما يلعبه الإعلام وعلى وجه الخصوص امبراطورية روبرت مردوخ والسي ان ان وهوليود ، هذه الشركات هي التي تصنع الرأي العام وتنتج الرئيس وتحدد مسار الدولة ، فأين هي إرادة الشعب ؟ كما ان مجلس الامن المؤسسة غير الديمقراطية بطبيعتها ، تمتلك خمسة دول فقط حق الفيتو ، وبقية العالم يتفرج . اذا لم يتوافق القرار مع مصالح امريكا ، فإنه يلغى فوراً . وهذا ما حدث في الاف القرارات المتعلقة بفلسطين وغزة والعراق وسوريا وغيرها . كيف يمكننا الحديث عن نظام دولي ديمقراطي ، وهناك دولة واحدة تستطيع الغاء إرادة (193)دولة ؟ ان استخدام لغة التهديد والوعيد مع الدول والشعوب تدل على العنجهية والتسلطية التي تمارسها الإدارات الأمريكية ضد العالم ، وهي لغة مرفوضة ومكروهة عند الجميع ، وهي مخالفة تماماً مع شعار الديموقراطية وحقوق الإنسان. ان ممارسة الارهاب السياسي والاقتصادي من اجل الحصول على مكاسب مادية شيء مرفوض اخلاقياً وهو نشاط يتناقض تماماً مع مفهوم الديمقراطية ، انه عمل تسلطي فوقي لا إنساني تمارسه أمريكا وبقية الدول الرأسمالية . فأين انتم من الديمقراطية ؟ يتضح من كل ما سبق ان الديمقراطية ليست سوى اداة خطابية تستخدمها المنظومة الرأسمالية للسيطرة على الشعوب ونهب ثرواتها . وفي العالم المتخلف ، حيث تنتشر الامية والفقر والبطالة ، وتنعدم البنى التحتية للتعليم والصحة ، تصبح الديمقراطية مستحيلة التطبيق والديمقراطية تتحول إلى لعبة تتحكم بها المليشيات والمال السياسي والتدخل الخارجي . الديمقراطية كما تطرحها الولايات المتحدة والغرب ليست قيمة إنسانية ، بقدر ما هي اداة نفوذ سياسي واقتصادي وعسكري . لقد اثبتت التجارب ، من العراق إلى غزة ومن سوريا إلى فنزويلا ، ان الخطاب الديمقراطي مجرد قناع يخفي مشروعاً استعمارياً معاصراً ، تقوده شركات عملاقة واوليغارشية مالية تتحكم بالإعلام وبالقرار السياسي والعسكري الدولي . ان الشعوب التي عانت من الحروب والعقوبات والإبادة تدرك اليوم ان الديمقراطية ليست ما يفرض بالقنابل ، وان حقوق الانسان ليست ما تمنحه واشنطن ثم تسحبه متى تشاء ، الديمقراطية الحقيقية تنبع من الداخل ، من وعي الشعوب ، من قدرتها على بناء دولة عادلة وقوية ومستنيرة ، لا من فوهة البندقية الأمريكية .فعن اي ديمقراطية تتحدثون؟

 عمان

10/12/2025

اترك تعليقًا

عرض
Drag