Skip links

شهادات من خلف القضبان.. هكذا يؤهل الأحداث في سجون العراق

تقارير

تشكل الجريمة عند الأحداث في الشارع العراقي، خطراً اجتماعياً يهدد المجتمع ومستقبل الحدث نفسه، في وقت تبذل مراكز الاصلاح التابعة لوزارة العدل العراقية جهوداً في محاولة تعليم وتهذيب شريحة الأحداث وتأهيلهم للانخراط في الحياة العامة.

يؤكد مسؤول الإعلام في وزارة العدل مراد الساعدي، لوكالة شفق نيوز، أن “عدد النزلاء في سجن الأحداث يصل الى نحو 900 مودع”، منوهاً، “عدم “وجود تحديات وصعوبات تواجه العاملين في سجن اصلاح الاحداث مع المودعين“.

وبحسب الساعدي، فإن وزارة العدل تتعامل بآليات جيدة في ملف إصلاح الأحداث، وأن هناك تعليمات وتوصيات خاصة تتعلق بهذا الملف الإنساني، لافتاً إلى “وجود مشاريع لدى الوزارة لتطوير البنى التحتية الخاصة بالمدارس الإصلاحية عبر خطة تتضمن إنشاء مجمع خاص بالأحداث، يضم مراكز تأهيل ومراكز أخرى لتعليم الحرف والمهن بغية تطوير مهارات وسلوكيات المودعين لضمان عدم عودتهم للجريمة بعد انتهاء مدة محكومياتهم.

المجمع يتم انشاؤه في منطقة أبو غريب ويشتمل على ملعب كبير وبعض المرافق الحيوية الأخرى، وفق المسؤول، كاشفاً عن “وجود برامج عديدة لدعم الأحداث مهنياً ونفسياً، ومنها برامج تعليمية تتم بالتعاون مع وزارة التربية، وتم بهذا الصدد افتتاح مدارس ابتدائية وأخرى للتعليم المسرع، فضلاً عن وجود مراكز لمحو الأمية، إضافة إلى وجود ورش لتعليم المودعين الأحداث المهن والحرف من أجل اكسابهم مهارات مهنية للإستفادة منها بعد مغادرتهم سجن الأحداث“.

برامج الرعاية اللاحقة

ووضعت وزارة العدل، بحسب الساعدي، برامج لمتابعة الأحداث المودعين بعد مغادرتهم السجن، تسمى برامج الرعاية اللاحقة التي تسعى الوزارة من خلالها إلى مساعدة الأحداث على فتح بعض مشاريع صغيرة، فضلاً عن مبادرة الوزارة بتشكيل لجان خاصة تتبنى مفاتحة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لشمول الأحداث المودعين برواتب خاصة” ، مشيراً إلى “تعاون وزارتي العدل والصحة في مجال توفير الأدوية والمستلزمات الطبية للأحداث“.

وأسفرت جهود المراكز الإصلاحية وفق المتحدث باسم وزارة العدل، إلى انخفاض نسبة الجريمة بين الأحداث الذين انقضت مدة محكوميتهم، ويعزو ذلك إلى البرنامج الإصلاحي والتعليمي الذي يتلقاه المودع خلال مدة محكوميته.

وبحسب القانون العراقي فإن الحدث هو كل شخص يبلغ من العمر من 9 إلى 18 عاماً ويرتكب فعلاً مخالفاً للقانون، وينقسم الأحداث إلى ثلاثة أقسام، هي الصبي والفتى والشاب، ويشمل هذا التقسيم الذكور والإناث.

ووفق معنيين، يعد عامل التسرب الدراسي أحد العوامل الرئيسية في ارتكاب جنوح الأحداث، وتشير الاحصائيات إلى زيادة السلوكيات المنحرفة خلال العطلة الصيفية بعكس فترة دوام المدارس.

وتلعب عوامل التفكك الاجتماعي والأسري والفقر وسوء الأوضاع المعيشية دوراً بارزاً في انحراف الأحداث، إلا أن أثاراً نفسية قد ترافق الحدث الذي يدخل السجن.

وتقول الباحثة الاجتماعية مناهل الصالح إن “السجون ومراكز الإصلاح تهدف إلى تقويم السلوك المنحرف لدى الأحداث، إلا أن نتائجها قد لا تكون إيجابية بالنسبة للكثير منهم“.

وتضيف في حديثها لوكالة شفق نيوز، انه “على الرغم من تباين النتائج بين المودعين في سجن الأحداث من ناحية السلوك، إلا أن السجن له تأثيرات نفسية عميقة على الحدث، ومنها فقدان الحرية والاكتئاب والقلق والانطواء”، منوهة إلى أنه “يمكن تخفيف هذه التأثيرات بإيجاد برامج توفر الدعم النفسي والمعنوي للأحداث من أجل إعادة بناء ثقتهم بأنفسهم وتطوير قدراتهم الذاتية“.

أنماط سلوكيات منحرفة

وتشير الصالح إلى أن “احتكاك الأحداث في مراكز الإصلاح قد يؤدي إلى نقل أنماط سلوكية منحرفة يتاثر بها الآخرون، وبذلك تتسع شبكات الانحراف”، موضحة، أن “برامج التأهيل والدعم النفسي القائمة على أسس علمية من شأنها إعادة تقويم السلوك وتأهيل الأحداث لممارسة حياتهم الطبيعية بعد انقضاء محكومياتهم“.

وبحسب بيانات، عام 2019 شهد اعلى نسبة جنح بين الأحداث في العراق ،وبلغت 11.91 بالمئة من إجمالي عدد الجنح.

وأفرز سن الأحداث نتائج متباينة بين المودعين الذين غادروا السجن، من خلال التعاطي مع المؤسسة الاصلاحية والأثر الذي تركته في نفوسهم.

ولا توجد احصائيات رسمية من عادوا إلى ارتكاب الجنح ونفى مدير الإعلام ماتداولته وسائل الاعلام بشأن ذلك.

الصبي صلاح عبد الحسن (اسم مستعار) البالغ من العمر 15 عاماً غادر سجن اصلاح الاحداث بعد انقضاء مدة محكوميته عن قيامه بالسرقة، مردفاً: “لم اكن اجيد القراءة والكتابة عند دخولي السجن، وتعلمت ذلك في سجن الأحداث“.

ويوضح في حديثه للوكالة: “لم أدرك أن السرقة جريمة يعاقب عليها القانون، لكني تلقيت درساً اعادني إلى صوابي وأعاد لي ثقتي بنفسي، وقررت عدم العودة إلى ممارسة أي سلوك يخالف القانون بعد خروجي من السجن“.

الحرية لاتقدر بثمن

وينوه إلى أن “الحرية لا تقدر بثمن، واستفدت من تجربة السجن بتعلم القراءة والكتابة وبعض المهن الاخرى، فضلاً عن تلقي دروس في السلوك الصحيح“.

ويعمل صلاح حاليا في سوق الشورجة ويعيل نفسه ووالدته المطلقة، دون أن ينسى مرارة السجن واثاره القاسية على الرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على خروجه.

وعلى الرغم من الجهود والبرامج التي يتم تطبيقها في سجن الاحداث، بيد أن أغلب المودعين لا يكترثون لها ولا تردعهم العقوبات الرادعة داخل السجن.

ووفق صلاح فإن السرقة والشجار والسلوكيات المنحرفة تتم على نطاق واسع داخل المؤسسة الإصلاحية، وليس سوى أعداد قليلة من المودعين الأحداث ممن يحاولون تجنب الشجار والسلوك المنحرف والاستفادة من البرامج الإصلاحية.

الباحثة كفاية حميد، عملت مع منظمة محلية نفذت عدة مشاريع لمساندة الأحداث من خلال توفير خدمات قانونية ونفسية واجتماعية تهدف إلى حمايتهم وإعادة دمجهم في المجتمع.

تلفت حميد، النظر خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، أن “المشروع وفر خدمات قانونية للأحداث الذين لا يمتلكون محامياً بسبب الظروف المادية الصعبة لعائلاتهم حيث تتولى محاميات متطوعات الدفاع عنهم أو التكفل بإجراءات الكفالة لحين البت في قضاياهم، فضلاً عن كونهن حلقة وصل بين الأحداث وعائلاتهم“.

وتبين أن “خدمة إدارة الحالة مثلت جانباً مهماً من المشروع، حيث يتم فتح ملف لكل حدث يتضمن بياناته واحتياجاته، مع متابعة وضعه الصحي والنفسي والقانوني طيلة فترة احتجازه كما جرى استحداث غرفة صديقة للأطفال مجهزة بأنشطة ترفيهية مثل الرسم والألعاب والرياضة بهدف التخفيف من الضغوط النفسية التي يواجهها المحتجزين“.

دعم نفسي واجتماعي

كما تنبه حميد إلى أن “المشروع شمل أيضا تقديم دعم نفسي واجتماعي إلى جانب مناشدات تم تقديمها بضرورة نقل عدد من الأطفال المحتجزين مع أمهاتهم إلى دور رعاية حكومية في البصرة كما جرى إطلاق مبادرة لدعم الأحداث بعد خروجهم من السجن عبر تمويل مشاريع صغيرة تتيح لهم مصدر رزق مستدام بدلًا من منحة مالية مؤقتة“.

وفي المقابل، تستطرد الباحثة أن “العمل واجه تحديات كبيرة أبرزها صعوبة دخول المراكز الأمنية إلى جانب معضلة التعامل مع قضايا متصلة بتجارة وتعاطي المخدرات حيث بيّنت أن بعض الأحداث يعودون إلى التعاطي حتى بعد حصولهم على دعم لمشاريع خاصة لأنهم لم يعالجوا من المخدرات في السجن

وفي ختام حديثها، تؤكد حميد، أن “الكثير من الأحداث يعانون من تهميش أسري وظروف قاسية تجعلهم أكثر عرضة للجريمة مؤكدة أن غياب الفصل بين الأحداث والكبار داخل مراكز الاحتجاز يضاعف المخاطر، إذ يؤدي إلى تعرضهم للتحرش أو اكتساب سلوكيات إجرامية جديدة“.

وتشكل السجون مدرسة للجريمة، وفي أحيان نادرة فرصة لإعادة الاندماج في المجتمع، ويتوقف ذلك على تقبل الفرد ممارسة الحياة الطبيعية بشكل إيجابي أو التوغل بعيداً في الجريمة والانحراف.

اترك تعليقًا

عرض
Drag