Skip links

شرطة العراق.. ضحية النزاعات والمطاردات وقوانين حكومية قديمة لا تحفظ أرواحهم

تقارير

كثيراً ما يتعرض رجال الشرطة في عموم العراق لعمليات قتل وإصابات في صفوفهم خلال تدخلهم لفض نزاعات عشائرية أو اشتباكات مسلحة أو خلال عملية مطاردة عصابة، سواء في العاصمة بغداد أم غيرها من محافظات ومدن البلاد.

وخلال الايام القلائل الماضية قُتل ضابطان من منتسبي الشرطة الاتحادية فيما أصيب خمسة آخرين خلال محاولة فض نزاع عشائري مسلح شرقي العاصمة بغداد.

ووفق وزارة الداخلية، فإن قوة أمنية تعرضت لهجوم مسلح مباشر، الأحد الماضي، أثناء تدخلها لإنهاء نزاع عشائري بمنطقة السعادة في العاصمة بغداد.

وتشكل النزاعات العشائرية وإلقاء القبض على مطلوبين خطيرين للقضاء، تحديات كبيرة للشرطة العراقية التي مازالت تقدم التضحيات، بينما تسعى الإجراءات الحكومية إلى محاولة السيطرة على النزاعات العشائرية وحماية رجال الشرطة من عمليات الاستهداف.

ويوضح المتحدث باسم وزارة الداخلية عباس البهادلي، لوكالة شفق نيوز، أن “الوزارة ماضية بقوة لتطبيق القانون وفرض هيبة الدولة ضد جميع من يحاول العبث بأمن المواطن ويهدد السلم المجتمعي والأمن المناطقي”، مشيراً إلى أن “الشرطة العراقية حققت منعطفات كبيرة في تقويض الجريمة وملاحقة المجرمين وتنفيذ عمليات قبض”.

ويضيف: “أدت تشكيلات وزارة الداخلية دوراً كبيراً في محاربة الإرهاب ودحره، وتحولت حالياً إلى محاربة الجرائم العابرة للحدود كالمخدرات والاتجار بالبشر، وأحرزت تقدماً كبيراً في التصنيف العالمي لسلم ترتيب مكافحة المخدرات في العالم، وإلقاء القبض على اعتى رؤوس تجار المخدرات وتفكيك هذه الشبكات التي تبث السموم وتفتك بالنسيج الاجتماعي”.

ويلف إلى أن “النزاعات العشائرية واحدة من الجرائم التي تهدد السلم المجتمعي، وأصبح منتسبو وزارة الداخلية يخوضون حرباً مفتوحة مع هذه النزاعات التي تهدد السلم المجتمعي وتعتدي على القوات الأمنية”.

ويشير البهادلي إلى أن “وزارة الداخلية تتعامل مع هذه النزاعات ومثيريها مثل تعاملها مع الإرهاب ومكافحة المخدرات، وثمة جهود ملموسة بهذا الصدد عبر عمليات إلقاء القبض والمداهمة التي تؤدي في بعض الأحيان إلى خسائر في صفوف القوات الأمنية من الضباط والمنتسبين”، مؤكداً، أن “وزارة الداخلية تمتلك ايماناً مطلقاً بالضباط والمنتسبين العاملين في الوزارة بإصرارهم في الحفاظ على أمن المواطن وممتلكاته”.

ويكمل البهادلي أن “عملية استهداف منتسبي الشرطة في الحادثة الأخيرة، كانت بسبب عدم رد الشرطة على النيران التي أطلقت من إحدى الدور التي كان يوجد فيها أطفال ونساء تم احتجازهم كدروع بشرية”، مبيناً، أن “القوات الأمنية لا يمكن أن تداهم الدار خشية تعرض النساء والأطفال للخطر وهو ما شجعهم على رشق القوات الأمنية بالرصاص”.

وينوه إلى أن “منتسبي وزارة الداخلية لا يخشون الملاحقة والتهديد العشائري، ولا يوجد أي ضابط أو منتسب يعتدى عليه ويتنازل عن حقه، وأن تنازل فإن ذلك يعرضه للمحاسبة القانونية”، لافتاً إلى أن “جميع الدعاوى المسجلة أمام القضاء لضباط ومنتسبي الوزارة لا تحمل أي تنازل”.

ويُشدد على “استمرار عمليات تنفيذ واجبات إلقاء القبض على المطلوبين، وتم مؤخرا اعتقال 166 مطلوباً للقضاء بتهم مختلفة، ومنها تجارة المخدرات والسرقات وحيازة سلاح غير مرخص في منطقتي الرشاد والمعامل ببغداد”.

وتتصدر محافظات ميسان وذي قار والبصرة، المحافظات الأخرى من حيث المواجهات العشائرية المسلحة التي تُستخدم فيها أحيانا أسلحة متوسطة إلى جانب قذائف الهاون، وهو ما يشكل تهديداً جدياً لمنتسبي الشرطة، إذ أن أسلحة بعض العشائر تفوق تسليح الشرطة.

ويقول الخبير الأمني سرمد البياتي إن “الاندفاع في بعض الأحيان نحو مواقع إطلاق نار مجهولة، يشكل خطرا حقيقيا على منتسبي الشرطة”.

ويوضح لوكالة شفق نيوز، “يتفاجئ رجال الشرطة غالبا بإطلاق نار من مكان مجهول داخل البيوت السكنية، أو قيام اشخاص بالهجوم الفوري المباغت على قوات الشرطة وهو ما يؤدي إلى وقوع إصابات وخسائر بشرية في صفوفهم”.

و يشدد البياتي على ضرورة “تقديم دعم حقيقي من قبل الحكومة ووزارة الداخلية لرجال الشرطة لتمكينهم من أداء مهامهم بأقل ما يمكن من التضحيات من ناحية التسليح والتعامل الميداني الدقيق، وحماية المنتسب من أي تهديدات عشائرية”.

في حين يرى الشيخ نافع فائق، شيخ عشيرة البو شامة أن “العشائر العراقية تقف صفاً واحداً إلى جانب القوات الأمنية في تطبيق القانون وفرض هيبة الدولة”، مشدداً على أن “قوة العشائر لا تنفصل عن هيبة الدولة ووجودها”.

ويضيف في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن “ما يحصل من اعتداء على رجال الشرطة مرفوض جملة وتفصيلا من قبل شيوخ العشائر الذين يطالبون رئيس مجلس الوزراء باتخاذ الإجراءات العادلة ضد من يعبث بالأمن المجتمعي”.

ويلفت فائق إلى “عدم وجود فصول عشائرية ضد بعض عناصر القوات الأمنية خلال تنفيذ أوامر قبض أو فض النزاعات، وأن وجدت فهي حالة شاذة ومحدودة”، منوها الى أن “العشائر تمثل اليوم الركائز الأساسية لاستقرار الدولة، وأن التزامها بالقانون ينعكس إيجاباً على المجتمع ويسهم في تعزيز بناء المؤسسات وترسيخ الأمن.

ويتعرض منتسبو وزارة الداخلية باستمرار لحالات اعتداء وإصابات تجعل هذه المؤسسة الأمنية الأضعف بين المنظومات الأمنية وفق خبراء القانون.

وفي هذا الصدد يقول المشاور القانوني كامل وادي، لوكالة شفق نيوز، إن “الخسائر التي يتعرض لها رجال الشرطة ليست بسبب ضعف التسليح أو الأوامر العشوائية أو الاندفاع والتهور والاقتحام الميداني، بل لعدم وجود قوانين وتشريعات جديدة تتماشى والمرحلة المعقدة الراهنة”.

ويكمل: “تكمن المشكلة في التشريعات التي تتمحور بمفصلين مهمين، وهما تعدد الجريمة وأساليبها، مقابل العمل بقوانين قديمة”، موضحاً أن” العمل مازال جارياً بقانون العقوبات لعام 1969 المعدل، ويتم إخضاع الجرائم الحديثة وتصنيفاتها لتكييف مواد من هذا القانون القديم، بدل تشريع قانون ينسجم مع تراتب الجرائم وانتشارها وتأثيرها المجتمعي”، مشيراً إلى أن “رجل الشرطة المسؤول عن إنفاذ القانون، يعمل هو الآخر وفق قوانين قديمة لا تستوعب الواقع، وذلك يؤدي قطعاً إلى خسائر وإصابات في صفوف الشرطة احيانا”.

ويبّين وادي، أن “التحديات الكبيرة التي يواجهها رجال الشرطة خلال عمليات إلقاء القبض أو فك الاشتباكات المسلحة والنزاعات العشائرية، تحدث بسبب عدم امتلاك وزارة الداخلية آليات وأدوات قانونية حديثة لحماية منتسبيها”، مبدياً استغرابه لـ”عدم تنبه الحكومة ومجلس النواب إلى الثغرات الكبيرة في قوانين الشرطة وعدم معالجتها رغم ما يتعرض له أفراد هذه المؤسسة الأمنية من حوادث مؤسفة”.

وعن تلك المعاناة، يقول أحد رجال الشرطة الاتحادية، الذي رفض الكشف عن اسمه أن “هنالك العديد من الأمور التي تحدث يقف عندها الشرطي مكتوف الأيدي منها أن بعض رجال الشرطة غير مسموح لهم بالتدخل إلا عند أخذ أوامرهم من المسؤول، وهذا الشيء يأخذ وقتاً في النزاعات المسلحة أو الهجمات الإرهابية”.

ويشرح أن “كثيرين من أفراد الشرطة في بعض النزاعات العشائرية أو المناطق التي فيها نفوذ اجتماعي قوي مثل مناطق الجنوب، قد يتجنب الشرطي التدخل المباشر خوفاً من رد فعل انتقامي أو مشاكل شخصية بعد انتهاء النزاع”.

ورغم أهمية الشرطة كجزء من المنظومة الأمنية، بيد أنه لا توجد تحديثات في قوانين هذا القطاع، والتحديثات الطفيفة التي حصلت على قائمة قوانين سابقة لا تمس جوهر عمل الشرطة، باستثناء القوانين الخاصة بالتدريب والحماية، وهي بحاجة حسب معنيين إلى مراجعة شاملة لإثبات فاعليتها.

اترك تعليقًا

عرض
Drag