رصاص للبيع.. الجانب الخفي لإمبراطورية السلاح في العراق
تقارير
بين جدران المنازل وسقوف المخازن، وبين أيدي المواطنين ومراكز التسجيل، تدور واحدة من أكثر الحملات إثارة للجدل في العراق، وهي شراء وتسجيل ملايين قطع السلاح المنتشرة في البلاد من قبل الحكومة العراقية.
وفي كانون الثاني 2024، كشفت وزارة الداخلية العراقية عن إطلاق برنامج جديد لشراء الأسلحة من المواطنين، نُفذ عبر المنصة الحكومية الإلكترونية “أور”، إلى جانب افتتاح العشرات من المراكز الميدانية المخصصة لهذا الغرض.
ما كان يُخفى لعقود، ويُستخدم في النزاعات العشائرية والشخصية وحروب الشوارع، أو كوسيلة للحماية الشخصية، أصبح اليوم مطلوبا على الطاولة الرسمية مقابل مبالغ مالية وهوية امتلاك قانونية، في خطوة غير مسبوقة تكشف حجم الترسانة المسلحة التي يعيش معها المجتمع، وتفتح الباب أمام مواجهة صعبة بين سلطة الدولة وإغراءات السوق السوداء، التي ما زالت تمارس عملها رغم ضغوط السلطات الأمنية.
وفي العام الماضي، خصص مجلس الوزراء مبلغ 15 مليار دينار من احتياطي الطوارئ، للشروع بعملية شراء الأسلحة من المواطنين، وذلك في إطار تنفيذ البرنامج الحكومي الذي يهدف، حسب التصريحات الحكومية، إلى “تنظيم السلاح وحصره بيد الدولة عبر تسجيل أسلحة الأفراد“.
على الرغم من مرور ما يقارب العامين على انطلاق الحملة، إلا أن نتائجها بالأرقام لم تُعلن بشكل رسمي حتى الآن، واقتصر الأمر على بعض التصريحات العامة غير المفصلة، ما دفع فريق وكالة شفق نيوز إلى إعداد تحقيق خاص للتقصي عن مستجدات هذا الملف وتطوراته.
أرقام غير معلنة
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها وكالة شفق نيوز، فالحملة سمحت لكل أسرة في المحافظات العراقية بتسجيل قطعة سلاح خفيفة واحدة، فيما أقدمت وزارة الداخلية على فتح أكثر من 730 مركزا خاصا لتسجيل السلاح في عموم البلاد، إلى جانب فرق جوالة تعمل بشكل مستمر لتسهيل إجراءات التسليم.

وتتحمل وزارة الداخلية، وفقا للمعلومات، كافة التكاليف المتعلقة بعمليات التسجيل وفحص الأدلة الجنائية، وإصدار إجازات حيازة السلاح بشكل مجاني للمواطنين، من خلال تطبيق أُطلِق قبل أيام.
الأسعار الرسمية المحددة لشراء الأسلحة تتفاوت حسب النوع والحالة. الأسلحة الثقيلة تُقيّم ما بين مليوني إلى 4 ملايين دينار عراقي، استنادا إلى التقرير الفني للجنة الوزارة، والأسلحة غير الصالحة للعمل تُشترى بمبلغ 500 ألف دينار بشرط اكتمال أجزائها، كما حُدِّدت أسعار “الهاون” (120 ملم، 80 ملم، 60 ملم) بين 3 إلى 6 ملايين دينار بحسب الفئة.
تشير التقديرات إلى أن العراق، “باستثناء إقليم كوردستان”، يضم ما بين 13 و16 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، من بينها بنادق “كلاشنكوف” و”بي كي سي” و”آر بي كي” الروسية، فضلا عن مدافع هاون وقذائف RPG.
على جانب آخر، يستمر نشاط السوق السوداء متقلبا؛ فأسعار المسدسات تتراوح ما بين 1300 دولار إلى 4500 دولار أمريكي، حسب النوع والحالة ونظافتها، بينما يبلغ سعر سلاح “الكلاشنكوف” بين 500 ألف ومليون ونصف المليون دينار عراقي، وسلاح M4 أمريكي الصنع ما بين 6 آلاف إلى 8 آلاف دولار أمريكي. كما يُقدَّر سعر طلقة المسدس الاعتيادي بنحو 2000 دينار، أما سعر الطلقة الواحدة للبندقية فبنحو 750 دينارا، فيما يبلغ سعر “الرمانة” (القنبلة اليدوية) 100 ألف دينار
.نتائج ونسب

ووفقا للمعلومات، فإنه منذ انطلاق الحملة، تراوحت نسبة الإقبال على بيع الأسلحة من قبل المواطنين بين 18% و20%، في المقابل استقبلت وزارة الداخلية أكثر من 100 ألف استمارة خاصة بحيازة السلاح.
وتستعد الوزارة لغلق التسجيل على إجازة حيازة السلاح في 31 كانون الأول/ديسمبر من هذا العام.
ورغم أن المبادرة تُعَدّ خطوة غير مسبوقة في تاريخ العراق، إلا أن نتائجها الأولية تظل محدودة، وتؤكد الحاجة إلى استمرارية الإجراءات، وتعزيز قنوات الثقة، وملاحقة سوق السلاح غير الرسمي لضمان نجاح العملية على المدى المتوسط والطويل.
وفي أواخر حزيران الماضي، كشفت وزارة الداخلية العراقية عن إتمامها للمرحلة الأولى من مشروع تسجيل الأسلحة غير المرخصة، فيما أشارت إلى اتخاذها إجراءات شملت إيقاف نشاط المحال والصفحات الإلكترونية المتخصصة ببيع السلاح.
تعليق رسمي من وزارة الداخلية
وتعليقا على حملة شراء وتسجيل الأسلحة في العراق، يقول العقيد عباس البهادلي إن “برنامج تسجيل الأسلحة يتيح لوزارة الداخلية إنشاء بنك معلومات متكامل حول الأسلحة وحركتها، ما يسهم في تقليل الجرائم، خصوصا فيما يتعلق بالنزاعات العشائرية“.
وخلال حديثه لوكالة شفق نيوز، يضيف البهادلي، أن “وزارة الداخلية تمنع امتلاك أسلحة ثقيلة أو متوسطة، والاكتفاء فقط بقضية السلاح الخفيف”، في إشارة إلى أنه يُستخدم للدفاع عن النفس، كما هو معمول به في جميع دول العالم.
وتُعرف الأسلحة الخفيفة بأنها التي يمكن حملها وتشغيلها من قبل فرد واحد، وتشمل المسدسات، البنادق، الرشاشات الخفيفة، وبنادق القنص، إضافة إلى بعض الأسلحة التي تُشغَّل بواسطة طاقم صغير مثل الرشاشات الثقيلة ومدافع الهاون الأقل من 100 ملم.
أما الأسلحة المتوسطة، فهي أكبر حجما وأعلى قوة من الأسلحة الفردية، وتتطلب عادة فريق تشغيل، مثل الرشاشات المتوسطة والمتعددة الأغراض، وبعض مدافع الهاون، حيث تُشكِّل حلقة وصل بين الأسلحة الخفيفة والأسلحة الثقيلة.
وعاد الحديث عن ملف السلاح خارج إطار الدولة، حيث قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، خلال مشاركته في مؤتمر عشائري أُقيم بمضيف الشيخ جمال الضاري في ذكرى ثورة العشرين قبل أيام قليلة، إن حصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد، وتكريس سلطة القانون، ملفات لا تقبل التهاون، من دون أن يعني ذلك استهداف أي جهة أو فرد.
كما أشاد السوداني، في وقتها، بدور العشائر ومختلف المكونات في مواجهة الاحتلال والاستبداد، لافتا إلى أن هذا التلاحم تجدد في معارك التصدي لتنظيم “داعش”، ما أسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الذي ينعم به العراق اليوم.
