تقرير ينصح بوجود أميركي “خفيف وذكي ومستدام” في العراق لمنع الفوضى
تقارير
أفاد موقع “سمول وورز جورنال” الأميركي بأن الولايات المتحدة قادرة على الانخراط المنضبط في العراق من خلال “وجود خفيف وذكي ومستدام” حتى لو كانت أولوياتها التركيز على مسارح الصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وبحسب ما خلص إليه الموقع في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، فإن عدم الابتعاد عن العراق يشكل هدفاً إستراتيجياً لمواجهة عدم الاستقرار مستقبلاً، وأن المسار إلى الأمام لا يتعلق بالتصعيد، وأنما بمنع الفوضى من العودة إلى العراق.
وبداية، قال تقرير الموقع الأميركي المتخصص بالشؤون العسكرية، إن أفراد القوات الأميركية في العراق يتساءلون دائماً “لماذا نحن هنا حتى الآن؟ هل يستحق الأمر ذلك؟“.
وتابع التقرير أنه في ظل تصاعد التوترات، فإن الإجابات تكتسب أهمية أكبر من أي وقت مضى، مضيفاً أن الأمر يستحق البقاء “في حال كنا أذكياء بشأن كيفية بقائنا، وهل بمقدور الولايات المتحدة ويتحتم عليها أن تحافظ على وجود معتدل ومستدام في العراق، بما في ذلك الـ2500 جندي المتواجدين حالياً في البلد؟“.
واعتبر أن القيام بذلك “ضروري من أجل حماية الاستقرار الإقليمي، ومراقبة النفوذ المعادي، وتجنب نوع التدخل المكلف الذي تحذرنا منه تجارب التاريخ“.
وأشار التقرير الأميركي إلى أن انهيار نظام صدام حسين في العام 2003 بعد غزو “الصدمة والترويع” الذي نفذته الولايات المتحدة، كان بمثابة بداية أحد أكثر جهود بناء الدول طموحاً، وبكلفة باهظة، في التاريخ الأميركي، وأنه برغم السقوط السريع لديكتاتورية صدام حسين إلا أن ما تبع ذلك كان “سلسلة من الفشل المتتالي“.
وبعدما استعرض التقرير القرارات وعلامات الفوضى التي عمت العراق وانتشار الإرهاب والنفوذ الإيراني، قال التقرير إنه عندما انسحبت القوات الأميركية في العام 2011، ظلت السياسة العراقية “هشة”، وكانت القوات العراقية، باستثناء وحدات العمليات الخاصة، تفتقر إلى الإرادة القوية للقتال.
وأضاف أنه مع حلول العام 2014، “كان العراق يتفكك” خصوصاً بعد اجتياح تنظيم “داعش” من الحدود السورية واحتلال مساحات واسعة من العراق،، ما أعاد دور الولايات المتحدة استشارياً ومن خلال مكافحة الإرهاب والعمل إلى جانب القوات العراقية والكوردية.
وتابع التقرير أن العراق لديه حالياً حكومة منتخبة “أسمياً” تحت قيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إلا أن السلطة الحقيقية ما تزال مقسمة، مشيراً إلى أن قوات الحشد الشعبي تعمل بشكل شبه مستقل بينما تحاول الحكومة دمجها تحت سيطرة الدولة.
وبرغم أن التقرير تناول “نقاط ضعف أساسية” تتخطى مسائل الأمن والسياسة، مثل اعتماد الميزانية على النفط بنسبة 90%، والفساد والبطالة بين الشباب وفوضى الخدمات الأساسية، إلا أنه أشار إلى أن أكثر من نصف العراقيين يعتبرون أن البلد يسير في الاتجاه الصحيح للمرة الأولى منذ العام 2004، مما يدل على تجديد التفاؤل والتقدم.
وذكر التقرير أنه برغم محاولات الولايات المتحدة للتحول بتركيزها نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ والمنافسة الإستراتيجية مع الصين، فإن الجاذبية المستمرة للشرق الأوسط تستمر بتشكيل أولويات وزارة الدفاع واستقطاب اهتمام كبير من الجمهور، مثلما أظهرت الحرب الأخيرة مع إيران والتي استمرت 12 يوماً.
وبالمثل، تظل الأعمال العدائية في غزة ولبنان، وهجمات الحوثيين على الشحن البحري، وعودة الدولة السورية بعد الأسد في عناوين الأخبار، ومع ذلك، وقال التقرير إن العراق الذي كان في يوم من الأيام مركزاً للاهتمام فيما يتعلق بالتدخلات العسكرية الأميركية بمرحلة ما بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، وحيث خسر أكثر من 4500 من الجنود الأميركيين حياتهم، وتم إنفاق أكثر من تريليوني دولار وتخصيص عقدين من الزمن من أجل جهود الاستقرار، يكاد يتلاشى من النقاشات الوطنية.
إلا أن التقرير أكد أن استقرار العراق من عدمه، يؤثر على كل قضية إقليمية رئيسية تهم الولايات المتحدة، موضحاً أن عراقاً غير مستقر وبدون وجود قوة قتالية أميركية، من شأنه أن يقود حتماً إلى تعزيز النفوذ الإيراني وإحياء تنظيم “داعش“.
وتابع التقرير أن وضعاً كهذا من شأنه أن يمهد لتوسع الصراع بين تركيا والكورد في شمال العراق وشمال شرق سوريا، وتعزيز تدفق اللوجستيات من إيران إلى الميليشيات في سوريا ولبنان لتشكل خطراً أمنياً أكبر على إسرائيل، ومفاقمة القلق بين دول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بأمنها الخاص.
وأوضح التقرير أن الوجود الدائم للولايات المتحدة هدفه بدرجة كبيرة منع حدوث مثل هذه المخاطر، لأن الاضطراب في العراق لا يهدد بغداد فقط، بل قد يمتد إلى سوريا وتركيا والأردن والخليج.
وبحسب التقرير، فإن النشاط المسلح عبر الحدود بين العراق وسوريا سمح لإيران بتحويل الأسلحة إلى الجماعات التابعة لها في سوريا ولبنان، مما يظهر كيف يمكن أن تؤدي الأزمات في العراق إلى تقويض الأولويات الإستراتيجية الأوسع واستقرار المنطقة، مضيفاً أن صعود “داعش”، أجبر الولايات المتحدة على إعادة الانخراط، وهو ما يكون بشروط أسوأ وبتكاليف أكبر.
وتابع التقرير أنه في ظل طموح الحزب الشيوعي الصيني للسيطرة على تايوان وطموحاته في الهيمنة العالمية، والحرب المستمرة لروسيا ضد أوكرانيا، فإن الولايات المتحدة ليس بمقدورها تحمل نزاع في الشرق الأوسط، يؤدي إلى انشغال جزء من قواتها القتالية، وهو بالضبط ما قد يحدث إذا ما أصيب العراق بعدم الاستقرار.
وبعدما لفت التقرير إلى أدوار الصين وروسيا الاقتصادية المتزايدة في العراق، ودور إيران في استغلال الميليشيات و”الوكلاء” السياسيين لتشكيل مستقبل العراق، ذكّر بأن العراق يظل أحد أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم، حتى وإن كانت الولايات المتحدة لم تعد تعتمد على واردات النفط من الشرق الأوسط، حيث أن الطاقة تبقى سلعة حيوية على مستوى العالم.
ورأى التقرير أنه من المهم أن يساعد الوجود العسكري الأميركي على إدراك موقف البلد الذي ما يزال يخدم عند مفترق طرق إستراتيجي، مضيفاً أنه حتى مع وجود 2500 جندي في مواقع محصنة، سيكون بمقدور الولايات المتحدة أن تظهر أنها تمتلك “العصا الأكبر”، وأنه طالما أن الخصوم يدركون أن واشنطن مستعدة لاستخدامها، فإن استعدادهم وقدرتهم على تحقيق أهدافهم ستبقى محدودة.
وبحسب التقرير، فإن العديد من العراقيين، خصوصاً في الجيش، والشمال الكوردي، وبين المجتمع المدني، يرون أهمية وجود أميركي محدود يدعم، ولكنه لا يهيمن على، مسارهم نحو الأمن، خصوصاً إذا كان ذلك يمنع ظهور “داعش” مجدداً وتعزيز القوة الإيرانية.
واعتبر التقرير أن المنافسة في العراق لا تتطلب إعادة استثمار ضخمة، موضحاً أن بالإمكان تأمين وجود أميركي معتدل يركز على تقديم المشورة للقوات العراقية، وتعزيز عمليات مكافحة الإرهاب، وتوفير انخراط اقتصادي ودبلوماسي مستهدف.
وأضاف أن هذه المقاربة الخفيفة لن تهيمن على العناوين الرئيسية أو توسع الميزانيات، إلا أنها يمكنها أن تحافظ على المكاسب التي تم تحقيقها بصعوبة وتمنع نوع الانهيار الذي سيتطلب إعادة تدخل أكثر تكلفة بكثير.
ورأى التقرير أن تجارب التاريخ تظهر أن تكلفة الانسحاب أعلى بكثير من تكلفة البقاء بشكل ذكي، وأن “الإهمال الإستراتيجي” لن يجعل العراق بلا أهمية، وأنما سيجعله غير مستقر، وسيثير عدم الاستقرار في جزء من العالم يؤدي إلى عدم الاستقرار في أماكن أخرى.
وختم التقرير بالقول إن قلة من الناس تشكك بأنه يجب على الولايات المتحدة أن تعطي الأولوية لمسارح عمل أكبر تتمثل في الصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، إلا أنه أضاف أن “هذه الأولويات لا تتطلب الابتعاد عن العراق، حيث أن الوجود الخفيف والذكي والمستدام هو وسيلة إستراتيجية لمواجهة عدم الاستقرار المستقبلي، وتقييد النفوذ العدائي“.
وخلص التقرير الأميركي إلى القول إن “المسار إلى الأمام ليس حول التصعيد، وهو يتعلق بالانخراط المنضبط بدرجة ما يمنع العودة إلى الفوضى ويمنح العراقيين الأدوات لتشكيل مستقبلهم بأنفسهم”، موضحاً أنه “في حال انهار العراق مجدداً، فلن تكون لدى الولايات المتحدة رفاهية البقاء غير منخرطة، وإذا أُجبرت على العودة، فقد يكون ذلك وفق شروط شخص آخر، وكلفة أعلى بكثير”.
