تخريب وتسميم وقتل… عملاء المخابرات الروسية يُرهبون أوروبا
تقارير
سيرغي في سكريبال العقيد السابق في المخابرات العسكرية الروسية الذي أُدين عام 2006 ببيع أسرار للمخابرات البريطانية (نيويورك تايمز)
تنشط أجهزة المخابرات الروسية في الكثير من الدول الأوروبية، خصوصاً جهاز المخابرات العسكري الروسي المعروف بالاختصار «جي آر يو» (GRU)، مركزة على تنفيذ الكثير من العمليات التي تندرج تحت بند التخريب إلى جانب عمليات التجسس والاختراق.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، بقيت الاستخبارات أولوية لدى الكرملين، لا سيما منذ وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة، رجل وكالة الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي) الذي كان مركزه في ألمانيا الشرقية في ثمانينات القرن العشرين.
وكثّفت الاستخبارات الروسية نشاطها في أوروبا عبر توسيع شبكة عملائها وتصعيد حدّة «الحرب الإعلامية» منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، وشهدت السنة الأولى من النزاع في أوكرانيا «حملات طرد جماعي» لجواسيس روس كانوا يعملون تحت غطاء دبلوماسي في أوروبا، ويقدّر عددهم بالمئات. وقال الصحافي الاستقصائي، أندريه سولداتوف، مؤسس موقع «أغينتورا. رو» (Agentura.ru) إنه «كان لذلك تأثير على العمليات» الروسية.
وقال أندريه سولداتوف إنهم «تمكنوا مع ذلك من تصحيح وضعهم، وأصبحنا نشهد مزيداً ومزيداً من العمليات، التي يتم تنفيذها في أوروبا، للتضليل ولعمليات تصفية أو تسلل لعملاء وتجسس»، مشيراً إلى أنه «جهد كبير جداً من جانبهم».
ويقول مركز الأبحاث «رويال يونايتد سرفيسز إنستيتيوت» (RUSI)، ومقره لندن، إن الاستخبارات العسكرية الروسية أصلحت إدارة عملياتها لتحسين دقة المعلومات وتقييمها. وتجند وجوهاً جديدة أحياناً عبر شركات وهمية. وتفيد هذه الدراسة بأنه حسب تقليد المخبرين «غير الشرعيين»، لا علاقة لهؤلاء المجندين بالمنظمات الرسمية، مما يجعل من الصعب اكتشاف أمرهم من مكافحة التجسس الغربي. ويتم تجنيد البعض حتى من الطلاب الأجانب، من البلقان أو أفريقيا أو حتى أميركا اللاتينية. وفيما يلي مجموعة من أبرز عمليات أجهزة المخابرات الروسية في أوروبا خلال السنوات الأخيرة:
القتل بمادة مشعة
توفي ضابط الاستخبارات السابق ألكسندر ليتفينينكو، وهو من منتقدي الكرملين، عن 43 عاماً في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 2006 بعد أسابيع من شربه شاياً أخضر ملوثاً بمادة «البولونيوم – 210» وهي نظير مشع نادر، في فندق ميلينيوم الراقي بلندن، في هجوم تُحمِّل بريطانيا موسكو المسؤولية عنه منذ فترة طويلة.
وطُرد ليتفينينكو، العميل السابق في جهاز الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي)، ثم في جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (إف إس بي)، من أجهزة الأمن الروسية بعدما كشف محاولات لوضع مخطط لقتل رجل أعمال ثري. ومنحته المملكة المتحدة اللجوء عام 2001، فندَّد من هناك بـ«الفساد» في روسيا، وفضح وجود روابط بين أجهزة الاستخبارات الروسية وأوساط الجريمة المنظمة.
وتناول ليتفينينكو، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2006، الشاي مع أندريي لوغوفوي عميل الاستخبارات الروسية، ورجل الأعمال ديمتري كوفتون، في أحد فنادق لندن. وفي رسالة كتبها من على فراش الموت، اتَّهم الرئيس فلاديمير بوتين بأنه من أمر بقتله، لكنَّ الكرملين نفى هذه التهمة.
ودائماً ما تنفي روسيا ضلوعها بأي شكل من الأشكال في وفاة ليتفينينكو التي هوت بالعلاقات البريطانية – الروسية إلى أدنى مستوياتها بعد الحرب الباردة. وخلص تحقيق بريطاني مطوَّل في 2016 إلى أن بوتين، ربما أقر عملية للمخابرات الروسية لقتل ليتفينينكو. واتهم التحقيق البريطاني الروسيين ديمتري كوفتون وأندري لوغوفوي بتنفيذ عملية القتل، غير أن موسكو رفضت تسليمهما.
وقالت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، في سبتمبر (أيلول) 2021، إن روسيا مسؤولة عن مقتل ضابط الاستخبارات السابق ليتفينينكو.
مواد سامة
في الرابع من مارس (آذار) 2018، استُهدف الجاسوس المزدوج الروسي السابق سيرغي سكريبال في سالزبيري جنوب غربي إنجلترا وابنته يوليا بسمّ الأعصاب السوفياتي الصنع «نوفيتشوك». وعُثر على سكريبال، وهو ضابط سابق بالمخابرات الروسية، وابنته يوليا، فاقدَين للوعي بمدينة سالزبيري.
وأوضحت بريطانيا أنهما تعرضا للتسميم بغاز الأعصاب «نوفيتشوك»، الذي صُنع خلال حقبة الاتحاد السوفياتي، واتهمت رجلين تقول إنهما ضابطان بالمخابرات العسكرية الروسية بتنفيذ الهجوم.
وقد تعافى سيرغي ويوليا بعد بقائهما في المستشفى أسابيع عدة في حالة حرجة.
واتهمت لندن موسكو بأنها مسؤولة عن محاولة التسميم، وأعلنت تجميد العلاقات الثنائية وطرد 23 دبلوماسياً روسياً. ورداً على ذلك، أمر الكرملين بطرد دبلوماسيين بريطانيين ووقف عمل المجلس الثقافي البريطاني في روسيا.
ووجهت التهمة إلى سيرغي فيدوتوف، المعروف أيضاً باسم دينيس سيرغييف بالتآمر بهدف قتل سيرغي سكريبال، وبمحاولة قتل سكريبال وابنته يوليا والشرطي نيك بايلي الذي أُصيب لدى تدخله في موقع عملية التسميم، وبحيازة واستخدام سلاح كيميائي. وتوفيت امرأة بريطانية بعدما استخدمت زجاجة عطر رماها منفذو محاولة قتل سكريبال، وكانت تحوي مادة «نوفيتشوك» السامة.
وفي 14 سبتمبر (أيلول) 2018 أدخل بيوتر فيرزيلوف، الناشط المعارض للكرملين والمرتبط بفرقة موسيقى البانك الروسية «بوسي رايوت»، إلى المستشفى إثر أعراض تسمم على ما يبدو من أدوية. ونُقل جواً على وجه السرعة إلى ألمانيا، حيث قال الأطباء إنه من «المعقول جداً» أن يكون قد تعرض للتسميم.
وتقول زوجته المنفصلة عنه، العضوة في فرقة «بوسي رايوت»، ناديا تولوكونيكوفا، إن التسميم المفترض كان «على الأرجح محاولة اغتيال أو على الأقل ترهيباً». وبعد خروجه من المستشفى، قال فيرزيلوف إنه «على اقتناع» بأنه تعرض للتسميم على أيدي جهاز الاستخبارات الروسي.
وفي سبتمبر (أيلول) 2004 أُصيب مرشح المعارضة الأوكرانية وبطل الثورة البرتقالية فيكتور يوتشنكو، بأعراض مرض خطيرة. وأظهرت نتائج فحوص أُجريت في عيادة نمساوية أنه تناول كمية كبيرة من الديوكسين. وقد نجا يوتشنكو من التسمم وفاز بالانتخابات، لكن وجهه بقي متورماً وعليه آثار ندوب، ويتهم مؤيدوه جهاز الاستخبارات الروسي بالضلوع في الواقعة.
تخريب
في أبريل (نيسان) 2021 اتهمت التشيك «جهاز الاستخبارات العسكرية الروسي» بقصف مستودع أسلحة في البلاد.
وفي واقعة أخرى، اتهم المدعي العام في ليتوانيا الدولة الواقعة على بحر البلطيق، في مارس (آذار) 2025، جهاز الاستخبارات العسكرية الروسية بأنه كان وراء حريق متعمد في متجر «إيكيا» في فيلنيوس عام 2024.
وأكد المدعي العام أن المجموعة التي تقف وراء حريق «إيكيا» المتعمد في فيلنيوس كانت أيضاً وراء إحراق مراكز تسوق في بولندا.
وأشار إلى أن الأشخاص التسعة الذين أُلقي القبض عليهم في بولندا بتهمة إحراق مركز تسوق كانوا تحت إشراف نفس الأشخاص الذين خططوا لإشعال الحريق المتعمد «إيكيا» في فيلنيوس.
وقال المدعي العام في ليتوانيا إن السلطات في بلاده تواصل التحقيق مع منظمي الحريق المتعمد الذين يزيد عددهم على 20 شخصاً، مضيفاً أنه «صدرت أوامر اعتقال دولية بحق بعض المنظمين».
وألقت بولندا، العام الماضي، القبض على تسعة أفراد بتهمة إشعال حرائق عمداً في مدينة فروتسواف بأوامر من روسيا.
الروسيان المطلوبان في بريطانيا ألكسندر بيتروف ورسلان بوشيروف (أ.ب)
الروسيان المطلوبان في بريطانيا ألكسندر بيتروف ورسلان بوشيروف (أ.ب)
وفي مايو (أيار) 2025، كشفت ألمانيا خططاً مزعومة لشن هجمات على نقل البضائع في ألمانيا. وتم القبض على 3 أوكرانيين في ألمانيا وسويسرا، وتتهمهم النيابة العامة الاتحادية بممارسة أنشطة استخباراتية بغرض التخريب. وهناك شكوك في أن السلطات الحكومية في روسيا تقف وراء هذا الأمر، وفق وكالة الأنباء الألمانية.
زعزعة الاستقرار لوقف الدعم
تحدث تقرير، في فبراير (شباط) 2024، عن جهود روسيا في إعادة هيكلة وتعزيز شبكة الاستخبارات العسكرية الروسية «GRU»، بهدف تقويض استقرار الحكومات الداعمة لكييف عبر أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، وذلك عبر استخدام خدماتها السرية «بشكل عدواني» لتغيير الأنظمة وزعزعة الاستقرار في هذه المناطق، وفق صحيفة «فاينانشال تايمز».
وحسب التقرير، تتزامن هذه الجهود مع إعادة هيكلة ناتجة عن غزو روسيا لأوكرانيا، حيث تسعى «GRU» لإعادة بناء شبكتها الأوروبية باستخدام وكلاء غير شرعيين وشبه شرعيين، بهدف زعزعة الاستقرار وتحقيق تأثير سلبي باستخدام تكتيكات مألوفة من عهد الحرب الباردة.
والهدف هو زعزعة الحكومات المعادية لموسكو وتعطيل الدعم الغربي لأوكرانيا، إذ يستخدمون أساليب تشمل التضليل واستهداف الطبقة الحاكمة واستخدام العنف، وفقاً للتقرير الذي نشرته مؤسسة المعهد الملكي للخدمات المتحدة، في لندن.
وحذرت المؤسسة الفكرية الغربية في تقريرها من أن هذه الجهود الروسية تستهدف زعزعة الحكومات المعادية لموسكو، وتعطيل الدعم الغربي لأوكرانيا، مستخدمةً تكتيكات تشمل التضليل واستهداف الطبقة الحاكمة واستخدام العنف.
وتتضمن الإصلاحات التي قامت بها «GRU» إنشاء وحدة جديدة تُعرف بـ«خدمة الأنشطة الخاصة»، التي تشمل وحدة 29155 المسؤولة عن الاغتيالات الخارجية. ويُشير التقرير إلى أن هذه الإصلاحات تأتي بعد سلسلة من المحاولات الفاشلة التي قادها عملاء «GRU» في أوكرانيا والجبل الأسود ومولدوفا.
