Skip links

تحت ظلال الدرون.. رسائل متفجرة في سماء بغداد- أربيل

تقارير

شفق نيوز- بغداد/ أربيل

تحليل خاص

منذ إعلان انتهاء الجولة الأخيرة من التصعيد الإقليمي بين إيران وإسرائيل في أواخر حزيران/يونيو، يشهد العراق، وتحديداً إقليم كوردستان، تصاعداً لافتاً في وتيرة الهجمات بالطائرات المسيّرة. وتتسم هذه الهجمات بسمات مشتركة: تنفيذ دقيق، استهداف مواقع عسكرية واقتصادية حساسة، وطابع مجهول دون تبنٍّ رسمي.

من الرادارات إلى منشآت الطاقة

ابتدأت هذه الهجمات “المجهولة” باستهداف منظومات الرادار الدفاعية للقوات العراقية في قواعد بلدو التاجي وعين الأسد والناصرية، بعد ساعات قليلة من إعلان الرئيس الأمريكي ترامب، الوصول لإتفاق لوقف التصعيد بين طهران وتل أبيب.

في الأيام التالية، توسعت دائرة الاستهداف لتشمل منشآت وقواعد في إقليم كوردستان، فتعرض مطار أربيل الدولي لمحاولة هجمات متكررة بطائرات مسيّرة مفخخة، سواء بإسقاط واحدة قربه في الثالث من حزيران المنصرم وصولاً إلى أمس الثلاثاء 14 من تموز يوليو.

ويضم موقع مطار أربيل قاعدة عسكرية لقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، مما يجعله هدفاً معتاداً لهجمات فصائل شيعية موالية لإيران في السنوات الماضية، كذلك، تم اعتراض مسيّرات قرب مطار كركوك العسكري ومنشآت للجيش العراقي هناك.

الأهداف الاقتصادية كان لها نصيب كبير من هذه الهجمات؛ إذ تصاعدت الاعتداءات على البنية النفطية عندما تعرّض حقل خورمالا النفطي (جنوب غرب أربيل) لمحاولة قصف جوي بطائرات مسيّرة ليلة 14 من تموز، لكن تم إحباطه عبر دفاعات التحالف، وفي اليوم التالي، أصاب هجوم آخر حقل سرسنك النفطي في دهوك مما تسبب بحريق وأضرار في معدات الإنتاج. وهو ما وصفته وزارة الموارد الطبيعية في حكومة الإقليم بأنه “عمل إرهابي” يهدف لضرب مصادر اقتصاد كوردستان الحيوية.

كما أكدت أن الهجوم على سرسنك أوقف الإنتاج في الموقع كإجراء سلامة، قبل السيطرة على الحريق لاحقاً.

جاءت هذه الهجمات في وقت يعاني فيه الإقليم أصلاً من صعوبات اقتصادية بسبب توقف صادرات النفط عبر خط الأنابيب إلى تركيا منذ عام 2023 نتيجة خلافات قانونية وفنية مع بغداد. ويعتمد اقتصاد الإقليم حالياً على الإنتاج المحلي والاستهلاك الداخلي في ظل تعطل التصدير. لذلك فإن أي استهداف إضافي لحقول النفط والغاز يعني مزيداً من الخسائر المالية والضغوط على حكومة أربيل.

كما أعادت أزمة الدرونات تسليط الضوء على هشاشة العلاقة بين أربيل وبغداد. حيث اتهمت حكومة إقليم كوردستان فصائل مرتبطة بالحشد الشعبي بالوقوف وراء الهجمات، فيما رفضت الحكومة الاتحادية الاتهامات دون أدلة.

وأصدرت داخلية كوردستان بياناً ثانياً اتهمت فيه بغداد بالتنصل من مسؤوليتها عن حماية الإقليم، مشيرة إلى أن الهجمات تتكرر منذ سنوات دون نتائج تحقيق. كما نفت أربيل المزاعم الإيرانية التي ترددت عن وجود مواقع إسرائيلية مستهدفة داخل الإقليم.

درونات انتحارية بدائية، لكنها فعالة

رغم زخم الأحداث، لا يزال الغموض يكتنف طبيعة الطائرات المسيّرة المستخدمة وقدراتها التقنية. فحتى الآن، لم تنشر السلطات العراقية أو الكوردية صوراً مفصلة أو معلومات رسمية عن نوعية هذه الدرونات.

لكن شظايا الحطام التي عُثر عليها في مواقع الإسقاط كشفت بعض الملامح. يوضح خبراء عسكريون ومسؤولون أمنيون تحدثت معهم وكالة شفق نيوز، أن المسيّرات تبدو من الطرازات قصيرة المدى نسبياً، إذ تُقدر مداياتها دون 10 كيلومترات. هذا يعني أنها أُطلقت من داخل الأراضي العراقية على مسافة قريبة من الهدف، وليست قادمة عبر الحدود من دولة مجاورة. كما يشير الخبراء إلى استخدام محركات احتراق صغيرة وأجنحة بدائية نسبياً في تصنيعها ما يوحي بأنها ربما مسيّرات محلية التطوير أو تم تهريب مكوناتها حديثاً للعراق.

وبحسب المصادر الأمنية فإن الهجمات الأخيرة نُفّذت باستخدام نوعين من الطائرات: الأولى طائرات تصوير مدنية تم تعديلها وتحميلها بمتفجرات، استُخدمت في هجوم أربيل؛ أما الثانية، فقد كانت طائرات انتحارية ذات قدرة بقاء قصيرة في الجو، استُخدمت في السليمانية، وتُشبه في تصميمها طائرات “شاهد” الإيرانية.

توقيت الهجمات وتنوع أهدافها يطرح تساؤلات حول دوافع الفاعلين. يرى البعض أن هذه الضربات تحمل رسائل ضغط على حكومة أربيل، التي أبرمت في الأشهر الماضية عقود غاز مع شركات أميركية دون تنسيق مع بغداد، ما دفع الأخيرة لرفع دعاوى قانونية.

حقول النفط الكوردية تمثل مصدر الدخل الأساسي للإقليم، واستهدافها قد يهدف إلى تقويض استقلاليته المالية، خصوصاً وسط تعثر التصدير إلى تركيا نتيجة خلافات قانونية. من جانب آخر، فإن استهداف المطار قد يكون إشارة إلى الولايات المتحدة، خاصة بعد توترات متكررة بين واشنطن وطهران.

ويقول الخبير العسكري علاء النشوع لشفق نيوز: “المنطقة مقبلة على حرب المسيّرات، وبدوره فإن العراق بما يحويه من فصائل مسلحة لديها هذه القوة والنوع من المناورة، وتستخدمها في التأثير المباشر على المنشآت الاقتصادية والحيوية في البلد“.

ويضيف أن الحكومة العراقية لحد هذه اللحظة لم تُعطِ أي تفاصيل عن هذه الاستهدافات، باعتبار أنها جزء من الأمن القومي العراقي. لكن الفصائل المسلحة لديها طائرات مسيّرة منشأها إيراني، بعضها متطورة منها: من نوع شاهد 129، منها أبابيل 3، وكذلك مهاجر 6“.

كما تشير معلومات استخباراتية إلى احتمالية استمرار الهجمات في الأيام المقبلة. ويُربط بين الدرونات التي استُخدمت في كوردستان وبين تلك التي استهدفت سابقاً قواعد التاجي والناصرية، ما يوحي بوجود منظومة تشغيل واحدة داخل العراق.

ورداً على هذه التطورات، اتخذت الحكومة العراقية سلسلة من الإجراءات الأمنية تشمل تعزيز منظومة الدفاع الجوي، تحديث قدرات الرادارات، فرض رقابة صارمة على تحليق الطائرات من دون طيار، والتنسيق بين القيادات الأمنية في بغداد وأربيل.

وأصدرت السفارة الأميركية في بغداد بياناً دانت فيه الهجمات، واعتبرتها “غير مقبولة وتُقوّض سيادة العراق”، مؤكدة أنها تُهدد الاستثمار الدولي في البلاد، وداعية الحكومة العراقية إلى التحقيق في الجهات المنفذة ومحاسبتها.

بهذا الخصوص، يقول مصدر دبلوماسي لوكالة شفق نيوز، إنه على المدى القريب، تواجه الحكومة العراقية اختباراً صعباً، حيث عليها أن تثبت قدرتها على كشف من يقف وراء المسيّرات ومحاسبته، مهما كانت الجهة.

كما لفت إلى أنه على الضفة الإقتصادية، فهذه الهجمات قد تؤدي إلى تخويف المستثمرين الأجانب وشركات الطاقة الدولية من العمل، بعدما اضطر بعضهم لوقف العمليات مؤقتاً مؤخراً، مما سيؤدي ذلك إلى زيادة المصاعب المالية وتنفيذ الخطط التنموية. ومن زاوية أخرى، قد يتضرر أيضاً قطاع الطيران المدني إذا استمر استهداف المطار أربيل بالصواريخ والمسيّرات“.

وعقب هذه التطورات، وصفت الحكومة العراقية هذه الضربات بأنها تهديد مباشر لمصالح الشعب العراقي واعتداء على جهود الدولة في ترسيخ الاستقرار ودفع عجلة التنمية.

وفي بيان رسمي، اعتبر الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء صباح النعمان، أن طبيعة هذه الأعمال وتوقيتها تعكس نوايا خبيثة تهدف إلى خلط الأوراق وإلحاق الأذى بالعراق ومؤسساته الحيوية، مشيراً إلى أن القائد العام محمد شياع السوداني وجّه بفتح تحقيق فوري وموسّع لتحديد الجهات المنفذة، واتخاذ إجراءات حازمة لمحاسبة المتورطين دون تهاون أو تردد.

وأكد أن الحكومة العراقية، بجميع مؤسساتها، لن تسمح بأي تهديد يمسّ مصالح العراقيين، وأنها بصدد اتخاذ التدابير اللازمة لحماية المنشآت الحيوية، وتعزيز منظومتها الدفاعية بما يصون السيادة ويمنع تكرار مثل هذه الاعتداءات.

اترك تعليقًا

عرض
Drag