Skip links

بين التهريب والتزوير.. “لعبة النفط” تبخر مليارات العراق

تقارير

شفق نيوز- بغداد/ عمان/ لندن

يتكبد العراق خسائر كبيرة تقدر بنحو ملياري إلى أربعة مليارات دولار سنوياً من عمليات تهريب النفط التي تتجاوز 300 ألف برميل نفط يومياً، بحسب مختصين، محذرين من أن استمرار هذه الممارسات قد يدفع الولايات المتحدة والجهات الدولية إلى تشديد الرقابة على صادرات النفط العراقية، مما يضر بالموازنة العامة والاقتصاد الوطني الكلي.

ويعتبر المختصون أن العقوبات الأمريكية الأخيرة التي استهدفت شبكة يقودها رجل أعمال عراقي وقبلها رجل أعمال آخر التي تهرب النفط الإيراني مُموّهاً على أنه نفط عراقي، إنذاراً أمريكياً للحكومة العراقية لتشديد الرقابة على عمليات تصدير النفط.

وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية، أول أمس الثلاثاء (2 أيلول/سبتمبر الجاري)، عقوبات على شبكة من شركات وسفن الشحن يقودها رجل الأعمال العراقي المقيم في الإمارات، “وليد خالد حميد السامرائي”، بتهمة “مزج النفط الإيراني سراً بالنفط العراقي، ثم تسويقه عمداً على أنه نفط عراقي خالص لتجنب العقوبات“.

وجاء هذا الإجراء، بحسب بيان الوزارة، استكمالاً لعقوبات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الصادرة في تموز/ يوليو 2025، والتي استهدفت شبكة رجل الأعمال العراقي “سليم أحمد سعيد”، التي هرّبت أيضاً النفط العراقي والإيراني المختلط، فيما تُظهر هذه الإجراءات، مواصلة حملة الضغط الاقتصادي الأقصى على إيران.

وفي هذا السياق، قال الباحث الاقتصادي أحمد عيد، إن العراق “يتكبد خسائر كبيرة بسبب تلك الممارسات تقدر بنحو 2 إلى 4 مليارات دولار سنوياً”، حيث تؤثر بشكل مباشر على الإيرادات النفطية للدولة وتمتد آثارها إلى الموازنة العامة والاقتصاد الكلي.

كما تؤدي تلك الممارسات، وفق عيد، إلى تحريف بيانات الإنتاج والصادرات، ما يقلل من الإيرادات المتوقعة ويحد من قدرة الدولة على تمويل مشاريعها التنموية والخدمية، ويضع ضغطاً إضافياً على الموازنة.

وبحسب الخبير الاقتصادي، الذي تحدث للوكالة، فإن استخدام اسم العراق في عمليات التهريب “يضر بسمعة البلاد أمام المجتمع الدولي، حيث يمكن أن يُنظر إلى العراق كبلد غير قادر على ضبط تصديراته ومراقبة موارده الطبيعية”، مما يقلل الثقة في الاقتصاد الوطني ويضع عراقيل أمام الاستثمارات الأجنبية.

وأشار إلى أن استمرار هذه الممارسات قد يدفع الولايات المتحدة والجهات الدولية إلى “تشديد الرقابة على صادرات النفط العراقية، بما يشمل مراجعة دقيقة للعقود والتراخيص والفواتير المصاحبة للشحنات النفطية”، ما يزيد الأعباء الإدارية على المؤسسات الحكومية.

ورأى عيد، أن الحل يكمن في تعزيز الرقابة الداخلية على الحقول والموانئ، وتحديث أنظمة التتبع والمستندات الرسمية، وملاحقة حالات التزوير، لضمان حماية الإيرادات الوطنية واستعادة ثقة المجتمع الدولي.

وبينما لم تُطبق الحلول التي يقترحها أحمد عيد بعد، يرجح مركز دراسات عراقي استمرار الضغوط الأمريكية على بغداد “من أجل لعب دورها في متابعة وملاحقة مافيات تهريب النفط العراقي أو الإيراني العابر للحدود“.

ونبه مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، من الأردن، إلى أن السلطات العراقية يبدو أنها “لم تتابع هذه الشبكات ولم تضع حداً لتهريب النفط الذي يتجاوز 300 ألف برميل نفط يومياً من البصرة بتسهيل أحزاب وأشخاص في السلطة بعيداً عن أعين الحكومة“.

وهذه العمليات، وفق فيصل، ناجمة عن “عدم جدية الحكومة العراقية أو عدم قدرتها في وضع حد لتهريب النفط العراقي المرتبط بشبكات من البنوك المتواطئة من أجل تبييض وغسيل الأموال، وقد تكون هناك شركات وهمية وتزوير للمستندات الحكومية“.

وأكد أن الحكومة العراقية “تتحمل المسؤولية بوضع حد لعمليات التهريب، وهنا يكمن التحدي بين بغداد وواشنطن، إذ تكتشف الأخيرة هذه الشركات وتفضحها وتعاقبها، فيما لا تزال بغداد تواجه تعقيدات في هذا الجانب، مما يضر بالاقتصاد العراقي ويخدم الاقتصاد الإيراني المنهار تحت الحظر والعقوبات“.

وكان موقع “أويل برايس” الأمريكي، كشف في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، في آب/أغسطس 2025، أن العراق دخل رسمياً دائرة الاستهداف ضمن استراتيجية العقوبات الأمريكية المتصاعدة ضد إيران، من خلال مشروع قانون جديد قُدم إلى الكونغرس في أبريل/ نيسان الماضي يهدف إلى حظر وارداته من الغاز والكهرباء الإيرانية، والتي تشكل نحو أربعين في المئة من احتياجاته من الطاقة.

وألغى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في شباط/ فبراير الماضي، الإعفاء الممنوح للعراق لاستيراد الكهرباء والغاز من إيران، وذلك ضمن حزمة العقوبات الجديدة على إيران.

ويعتمد العراق منذ سنوات طويلة، على استيراد الكهرباء والغاز من إيران، وخاصة في ذروة فصل الصيف، ويعتمد بهذا على الإعفاءات الأمريكية المستمرة، والتي تصدر أكثر من مرة خلال كل عام.

من جهته، قلل أستاذ العلوم السياسية في جامعة إكستر البريطانية، هيثم الهيتي، تأثير العقوبات الأمريكية الأخيرة على رجل الأعمال العراقي، مبيناً أنها “أخذت مدى إعلامياً أكبر من حجمها الحقيقي لأسباب سياسية وانتخابية وغيرها“.

وعلل الهيتي، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن الحدث هو فردي يتعلق برجل أعمال عراقي يملك شركة، وهو منفصل عن الحكومة، لذلك فرضت العقوبات على شركته وشخصه، أي أن العقوبة على التاجر وليس على الحكومة التي لم تخرق القانون.

وختم حديثه بالقول: “لكن هذه العقوبة تشكل إنذاراً أمريكياً للحكومة العراقية بضرورة تشديد الرقابة على تعامل رجال الأعمال في تصدير النفط، وفي الوقت نفسه هي إنذار لكل رجال الأعمال الآخرين الذين يقومون بهذا التهريب”.

اترك تعليقًا

عرض
Drag