بغداد.. الشوارع تدفع ثمن فوضى الحملات الإعلانية للمرشحين
تقارير
تشعر الطالبة ربى الجنابي (22 سنة)، بالانزعاج مما تصفه بـ”الاستفزاز والتشويه”، كلما مرّت في شارع أبي نؤاس بمنطقة الكرادة وسط بغداد، حيث تغطي “فوضى” الدعاية الانتخابية ملامح الشارع بحلته الجديدة.
وتقول الجنابي لوكالة شفق نيوز، إن “من حق أي مرشح للانتخابات التشريعية أن يسوّق نفسه ويطرح برنامجه الانتخابي ويعلّق صوره للتعريف به، وهذا أمر مشروع وفق القانون شريطة أن لا تشكل الدعايات الانتخابية أية مخالفات قانونية“.
وتضيف، أن “ما يحصل حالياً في الدعايات الانتخابات هو تشويه حقيقي وتخريب للشوارع والتقاطعات، وأحياناً يشكل استفزازاً للمواطن“.
وينتشر عدد كبير جداً من الصور واللافتات وملصقات المرشحين على جانبي الشارع وحدائقه وجزرته الوسطية، وهو ما يثير استياء المارّة في الشارع والذين يقصدونه بعد أن أصبح وجهة لكل أفراد العائلة، حيث يطغى التلوّث البصري على تفاصيله الأخرى.
ويشير المواطن مهدي عبد السادة، إلى أن “الدعايات الانتخابية مجرد إنفاق أموال طائلة دون جدوى، وتخريب غير مبرر للشوارع والمتنزهات”، منوهاً إلى أن “الدعيات الانتخابية تنتشر بشكل كثيف في الشوارع العامة والجسور والساحات والتقطعات، وهي مزعجة للبصر“.
ويرى عبد السادة في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن “الناس بحاجة إلى برامج إصلاحية من قبل المرشحين لا إلى صورهم وقوائمهم الانتخابية، وأن من الضروري أن يكون هناك التزام بقوانين الدعاية بدل الفوضى والعشوائية التي نراها في شوارع بغداد منذ انطلاق الدعاية الانتخابية“.
ومنذ انطلاق الحملات الانتخابية في يوم الجمعة الموافق 3 تشرين الأول الجاري في سباق الانتخابات التشريعية، شهدت العاصمة بغداد خروقاً جمة تتعلق بالشوارع والطرق والجسور، حيث تخالف توصيات أمانة بغداد التي وضعت جملة ضوابط معينة لدعايات المرشحين.
ويلفت عبد السادة إلى أن “كثرة الصور للمرشح تأتي بالسلب عليه، فهناك مرشح وضع لافتة إعلانه على طول عمارة سكنية ووضع أكثر من 50 لافتة بين شارع وشارع، وهذا بالذات يطرح أسئلة كثيرة حول مصدر أموال هذه الإعلانات وبذلك يخشى المواطن انتخابه“.
وتبذل السلطات المحلية في بغداد جهوداً واضحة في حملات الإعمار وإعادة تأهيل الشوارع، ومنها شارع أبي نؤاس، الذي يمتاز بحدائقه الجميلة وموقعه المطل على نهر دجلة، تلعب الدعايات الانتخابية للمرشحين دوراً في تشويه هذه الشوارع الحيوية.

حيث يؤدي وضع صور المرشحين وملصقاتهم، بطريقة مخالفة للضوابط التي وضعتها مفوضية الانتخابات بهذا الخصوص.
وتعرّضت أرصفة وحدائق أبي نؤاس إلى بعض التخسفات والحفر جرّاء نصب قواعد حديدية كبيرة تحمل صور المرشحين.
ويرى أستاذ العلوم السياسية فيصل عبد القدوس، أن “هناك جهوداً بذلتها الحكومة ومؤسساتها من أجل أن تكون العاصمة بغداد جميلة ونظيفة ضمن حملات إعمار واسعة“.
وينبه في حديثه لوكالة شفق نيوز إلى أن “على من يرغب بالتصدي للمسؤولية والوصول إلى قبة البرلمان أن يلتزم بضوابط ومحددات الدعاية الانتخابية التي حددتها مفوضية الانتخابات، لا أن يخرق القوانين ويشوّه المدينة التي يجب أن يكون هو أول المحافظين عليها“.
ويؤكد أن “العديد من شوارع العاصمة بغداد وكذلك الجسور والساحات العامة، تعرّض للتشويه بسبب صور المرشحين، ومنها شارع أبي نؤاس الذي تم تأهيله وشيكاً، ليكون مكاناً يجمع العائلات البغدادية ويحتضن الأنشطة الثقافية والاجتماعية“.
ويلفت الأكاديمي في الوقت نفسه، إلى “عدم وجود إجراءات قانونية يمكن التعامل معها لتطبيقها ضد المرشحين المخالفين، باستثناء الغرامات المالية التي لا تشكل رادعاً حقيقياً لوقف التشوّهات التي لحقت بالشوارع في مدينة بغداد والمدن الأخرى“.

وكانت أمانة بغداد وضعت ثمان توصيات تتعلق بالدعايات الانتخابية للمرشحين، بموازاة تشكيل مفوضية الانتخابات فرقاً لمتابعة ورصد مخالفات المرشحين، وفرض غرامات مالية ضد المخالفين.
ويقول المتحدث باسم الأمانة عدي الجنديل، إن التوصيات “تتضمن عدم لصق أي إعلان انتخابي على الجدران في عموم العاصمة بغداد باستخدام الصمغ أو الغراء، وعدم تثبيت لوحات الدعاية الانتخابية للمرشحين والأحزاب السياسية على قطع الدلالة المرورية للطرق العامة، وعدم تثبيت لوحات الدعاية الانتخابية في الحدائق العامة والجزرات الوسطية للشوارع والأرصفة باستخدام مادة الإسمنت“.
ويضيف في تصريح لوكالة شفق نيوز، أن “التوصيات تضمنت أيضاً عدم جواز استخدام جدران ومباني الدوائر الحكومية والمدارس والجامعات والجوامع والحسينيات والأماكن المقدسة والجسور والأماكن التراثية والأثرية والنصب والتماثيل لنشر إعلانات الأحزاب والمرشحين ضمن الحملة الانتخابية“.
وشدّدت التوصيات على ضرورة أن “تكون وسائل الدعاية الانتخابية من المواد التي تسهل إزالتها بعد انتهاء العملية الانتخابية، كاستخدام القماش واللوحات المعدنية أو الخشبية التي يسهل رفعها، فضلاً عن استخدام لوحات الفلكس الحديثة ضمن الأماكن المحددة لذلك“.
ويؤكد الجنديل “في حالة وضع وسائل الدعاية الانتخابية بشكل مخالف يتم توثيق المخالفة من قبل كوادر الدوائر البلدية وإزالتها فوراً، وفرض غرامات مالية بحق المرشحين والأحزاب السياسية والائتلافات وفقاً لأحكام القرارات والقوانين البلدية النافذة“.
ونوّه إلى أن الدوائر البلدية “ترفع موقف المخالفات إلى مكتب وكيل أمانة بغداد للشؤون البلدية، حيث يتضمن الموقف اسم المرشح والرقم في الدائرة الانتخابية ونوع المخالفة ومقدار الغرامة لتتم مفاتحة مفوضية الانتخابات لغرض إلزام الأحزاب السياسية بتسديد مبالغ الغرامات أو استقطاعها من التأمينات المقدمة من قبلهم لدى المفوضية“.
بالمقابل يحمّل المرشحون الجهات المعنية بتنظيم الحملات الدعائية المسؤولية عن هذه الفوضى، لعدم توفير الأماكن المناسبة لوضع دعايات المرشحين.
وتقول إحدى المرشحات، إن “الجهات المختصة وضعتنا في موقف محرج، فهي تمنع وضع الإعلانات على الأرصفة وعلى الجدران وغيرها، لكنها لم تجهز مناطق مخصصة للإعلانات قبل هذه الشروط“.
وتضيف المرشحة التي رفضت الكشف عن هويتها، في حديث لوكالة شفق نيوز، “في الدول الأوروبية كفرنسا مثلاً، توجد منصة جدارية خاصة بالمرشحين توضع صورهم هناك بين كل شارع وآخر وبالتالي لا يخسر المرشح أموالاً طائلة ولا يشوّه وجه المدينة“.
وترى المرشحة ذاتها، أن “هذه الشروط أحدثت إشكاليات كبيرة بين المرشحين، فالأماكن المحددة والمشروطة أصبحت صغيرة مقارنة بآلاف اللافتات وبالتالي فإن شجارات كثيرة حصلت بين فرق عمل مرشح وآخر وبعضهم قام بحجز الأماكن مسبقاً“.
وتضيف أيضاً، “إذا أردنا أن تكون إعلاناتنا بشكل حضاري، مثلاً نضعها على العمارات أو عن طريق الشاشات الإعلانية على البنايات والمولات، فهذا يحتاج إلى ما لا يقل عن 5-7 ملايين دينار لكل مرشح لكل شاشة أو بناية، وهذا رقم مبالغ به بالنسبة للمرشحين الجدد، والذين لا تتجاوز مبالغ حملاتهم الإعلانية 14 مليون دينار فقط”.
