بعد 6 سنوات.. هل انتهى حلم “تشرين” في العراق أم يستعد للعودة؟
تقارير
يستذكر العراقيون الذكرى السنوية السادسة للتظاهرات التي انطلقت في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2019، حيث خرج مئات الآلاف من الشباب إلى الشوارع في أكبر احتجاج شعبي شهدته البلاد منذ 2003.
ورفع المتظاهرون شعار “نريد وطناً” مختزلاً مطالبهم بوطن يحترم كرامتهم، وفرص عمل تحفظ مستقبلهم، وخدمات أساسية تعزز انتماءهم لوطن يحميهم بدلاً من أن يستنزفه.
لكن خلال أشهر قليلة، دفعت تلك التظاهرات ثمناً باهظاً تمثل في أكثر من 600 قتيل، وآلاف الجرحى والمعتقلين والمغيبين، بحسب منظمات محلية ودولية.
“ليست حدثاً عابراً“
وفي هذا السياق، يرى الباحث في الشأن السياسي حسين العظماوي ، أن احتجاجات تشرين لا يمكن اعتبارها حدثاً عابراً “بل لحظة تأسيسية في تاريخ الوطنية العراقية، وتمثل رمزاً لرفض الفساد والطائفية وسوء الإدارة“.
ومع ذلك، يقلّل العظماوي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، من احتمال تكرارها بذات الزخم والعفوية التي تميزت بها عام 2019، قائلاً إن “أي حراك مستقبلي سيكون محكوماً بتأثير سياسي من جهات مختلفة، وليس باندفاع الشارع وحده كما في المرة السابقة“.
ومن زاوية تحليلية أعمق، يوضح الباحث السياسي عمر الناصر، أن تشرين كانت “لحظة تأسيسية في وعي جيل الشباب العراقي”، وقراءتها تتم عبر ثلاثة مستويات.
ويشير الناصر خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن “المستوى الأول هو في الذاكرة الجمعية، حيث تحولت تشرين إلى رمز حيّ للكرامة والسيادة، وعبّرت عن رفض شعبي عارم للمحاصصة والفساد، وشعاراتها مثل نريد وطناً ما تزال حيّة في وجدان العراقيين“

والمستوى الثاني هو في المشهد السياسي، بحسب الناصر: “وإن لم تتحقق مطالب تشرين كافة مثل محاسبة الفاسدين، إلا أنها نجحت في فرض تنازلات مثل استقالة حكومة عادل عبد المهدي عام 2019، وتعديل قانون الانتخابات“.
كما دخلت وجوه جديدة إلى البرلمان، رغم أن بعضها – وفقاً للناصر – “لم يكن على قدر ثقة الشارع، بل مثّل حالة انتهازية استغلت الموجة الثورية“.
أما المستوى الثالث فهو على صعيد الجيل، إذ يعتقد الناصر أن تشرين أسست لظهور جيل يؤمن بالاحتجاج كوسيلة للتغيير، بعيداً عن الاصطفافات الحزبية والطائفية، ورغم تراجع زخم التظاهر بسبب القمع، “ما تزال روح الرفض متقدة وقد تنفجر مجدداً في أي لحظة“.
وبشأن عودة الاحتجاجات، لا يستبعد الناصر عودة شرارة جديدة، خاصة مع تصاعد الأزمات الاقتصادية، وارتفاع نسب البطالة، وتعمق الخيبة السياسية.
ويضيف أن “جيل ما بعد تشرين اليوم أكثر وعياً وجرأة، وأقل إيماناً بأن الأحزاب يمكن أن تغيّر الواقع، لذا فإن أي أزمة – ولو صغيرة – قد تكون كفيلة بإعادة الناس إلى الشارع“.
لكنه يوضح أن عودة تشرين لن تكون على شكل “مليونيات”، بل موجات متقطعة من الاحتجاجات القطاعية (طلاب، خريجون، موظفون)، والتي قد تتسع تدريجياً إن تجاهلتها السلطة.
حلم تشرين لم ينتهِ
من جانبه، يرى الناشط الحقوقي محمد جمعة، أن تظاهرات تشرين لم تكن حراكاً شبابياً فقط، بل كانت “ثورة وطنية عابرة للأجيال”، ضمّت الصغار والكبار، وكان محركها الأساسي الحلم بوطن لا يُباع ولا يُشترى.
ويعتقد جمعة خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن “هذا الحلم لم يمت، لكنه مؤجل”، مشيراً إلى أن عودة تشرين قادمة “لكن ليس في القريب العاجل، لا قبل الانتخابات المرتقبة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، ولا بعدها مباشرة“.
ويفسّر ذلك بأن “الواقع السياسي لم يتغير، بل إن بعض وجوه تشرين الذين وصلوا للبرلمان خيّبوا الآمال، ولم يكونوا على قدر المسؤولية“.

وحاولت وكالة شفق نيوز التواصل مع عدد من نواب لحركات منبثقة من تشرين، للحصول على تصريحات بشأن الذكرى السادسة للحراك، إلا أنهم رفضوا الإدلاء بأي تعليق.
وهو ما فسّره جمعة بأنه “يعكس حالة من الانفصال عن الناس، ويناقض روح تشرين التي قامت على الشفافية والمواجهة“.
رمزٌ للصمود والأمل
من زاوية مختلفة، تؤكد الناشطة المدنية سهيلة الأعسم، أن الذكرى السادسة لثورة تشرين “ليست مجرد مناسبة تاريخية، بل دعوة متجددة لمراجعة المسار السياسي، والتمسك بالمبادئ التي خرج من أجلها الشباب العراقي وهي الحرية، والسيادة، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية“.
وتصف الأعسم في حديثها لوكالة شفق نيوز، تظاهرات تشرين بأنها كانت “حدثاً مفصلياً في التاريخ العراقي الحديث”، إذ عبّرت عن وعي جيل جديد “حالم بالتغيير وبناء وطن يليق بأبنائه“.
وتضيف الناشطة المدنية أن الساحات آنذاك تحولت إلى فضاءات للنقاش والإبداع والتضامن الشعبي، “رغم القمع والعنف الذي طال المتظاهرين“.
وتشير إلى أن من أبرز إنجازات الحراك هو “إعادة الروح إلى الشارع العراقي، وفرض الاعتراف الشعبي والسياسي بضرورة الإصلاح“.
وتشدد الأعسم على أن تشرين “أطلقت مساراً جديداً للحراك المدني، وخلقت وعياً مجتمعياً مستداماً، يتجاوز الأطر التقليدية للعمل السياسي“.
وخلصت الناشطة إلى القول إن إحياء ذكرى تشرين هو “عهدٌ مع الضحايا والمغيبين بأن حلم الوطن العادل والمستقل لم يمت، بل ما زال حيّاً في ضمير العراقيين”.
