المدارس المهنية في العراق.. إقبال متزايد يقابله تخطيط غائب
تقارير
رغم التحديات البنيوية والهيكلية التي يواجهها التعليم المهني في العراق، إلا أن الإقبال عليه يشهد ارتفاعاً ملحوظاً في عدة محافظات، خصوصاً المدارس المهنية، مع تنامي الوعي بأهمية التخصصات التقنية والتطبيقية المرتبطة بسوق العمل.
غير أن هذا الإقبال يصطدم بواقع قاسٍ يتمثل في نقص الأبنية المدرسية الحديثة، وقلة الورش التطبيقية، وضعف البنية التحتية وغياب التخطيط لتطوير هذا القطاع الحيوي الذي يُدار من قبل وزارة التربية.
قصور حكومي
وفي هذا السياق تقول نائبة رئيس لجنة التربية النيابية، نادية محمد العبودي، إن التعليم المهني في العراق “يحتاج إلى سلسلة من المعالجات البنيوية، بعضها بدأ فعلاً في محافظة البصرة التي شهدت تحسناً ملحوظاً في أداء بعض المدارس المهنية بعد تغيير الإدارات السابقة التي كانت ضعيفة في المتابعة والأداء”.
لكن العبودي تؤكد لوكالة شفق نيوز، أن “الاهتمام بالأبنية المدرسية ما يزال دون المستوى المطلوب، إذ يجب إنشاء مدارس مهنية متكاملة للذكور والإناث في جميع المناطق، كما ينبغي توفير أماكن وقاعات مناسبة، بالإضافة إلى تجهيز مختبرات حديثة تستوعب طبيعة التخصصات التقنية”.
كما تدعو العبودي إلى “تحديث التخصصات المهنية لتواكب احتياجات سوق العمل، فبعض الأقسام لم تعد لها أهمية حقيقية، بينما هناك ضرورة لتوسيع أقسام مثل الفنون التطبيقية التي تحتضن النساء اللواتي لم يُكملن تعليمهن ويرغبن في تطوير مهاراتهن في مجالات عملية مثل الخياطة والتطريز”.
وتشير نائبة رئيس لجنة التربية النيابية إلى أن “الإقبال حالياً يتركز على تخصصات مثل الأجهزة الطبية، والنفط والغاز، والأمن السيبراني”.
طاقة استيعابية محدودة
من جانبه، يقول عضو لجنة التعليم العالي النيابية، محمد قتيبة البياتي، إن “التعليم المهني في العراق يشهد إقبالاً واسعاً لا سيما في محافظة ديالى، حيث يعمل عدد من المدارس المهنية بنظام الدوامين الصباحي والمسائي لتلبية الطلب”.

ويبيّن البياتي لوكالة شفق نيوز، أن “رغم هذا الإقبال، إلا أن الطاقة الاستيعابية غير كافية بسبب قِدم الأبنية، وعدم تشييد مدارس مهنية جديدة منذ سنوات”.
ويلفت إلى أن “خريجي التعليم المهني يُقبلون في الكليات، خصوصاً الأهلية، في تخصصات حيوية مثل الهندسة والأمن السيبراني وتكرير النفط وتكنولوجيا السيارات، ما يجعل الطلب على هذه المدارس في تزايد مستمر”.
كما يشير إلى أن “الطلب لا يقتصر على خريجي الثالث المتوسط فقط، بل حتى الراسبين في التعليم الإعدادي يسعون إلى التحويل نحو التعليم المهني باعتباره أكثر ارتباطاً بفرص العمل، ما يستدعي من الحكومة بناء مدارس مهنية جديدة وتوفير كوادر تدريسية كافية”.
معاناة طلبة
بدورها، تعبّر إحدى خريجات قسم الفنون التطبيقية في التعليم المهني، عن استيائها من “قلة القبولات في هذا القسم الذي يعتبر حيوياً ويمثل فرصة حقيقية للنساء اللواتي يرغبن في دخول سوق العمل من خلال المهارات اليدوية والمهنية”.
وتطالب الخريجة خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، الحكومة بـ”فتح قبولات أوسع في هذا القسم، خصوصاً بالنسبة للفئات العمرية الأكبر سناً الراغبات في العودة إلى مقاعد الدراسة”.
وتضيف أن “التعليم المهني يعاني من نقص كبير في الورش التطبيقية، إذ لا يتوفر لدينا تعليم عملي حقيقي داخل القسم، وهو ما يؤثر على جودة مخرجاتنا واستعدادنا لسوق العمل”.
مبادرات دولية
وتأتي هذه المطالبات في وقت أطلقت اليونسكو والاتحاد الأوروبي في 10 آب/ أغسطس 2025، رسمياً مشروع التعليم والتدريب التقني والمهني الأخضر والرقمي لتعزيز التوظيف في العراق، بالشراكة مع الحكومة العراقية.
وكانت منظمة اليونسكو بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والحكومة العراقية أطلقت في أيار/ مايو 2024 مشروع “إصلاح التعليم والتدريب المهني والتقني (TVET 2)”، بهدف خلق فرص عمل حقيقية من خلال تعزيز نظام التعليم الفني والمهني وربطه بسوق العمل.
وبحسب بيان “اليونسكو-يونيفوك” فإن هذا التعاون يسعى إلى إصلاح منظومة التعليم المهني والتقني ضمن إستراتيجية وطنية طويلة الأمد (2022–2031)، تهدف إلى تعزيز المهارات وربط التعليم بسوق العمل، وخلق فرص عمل حقيقية للشباب العراقي.
