Skip links

الكلمة مسؤولية

مقالات

مشتاق الربيعي

الكلمة أمانة ومسؤولية، وليست مجرد أداة للجدل أو وسيلة للتجريح والإساءة. ومن المؤسف أن نرى بعض المحللين السياسيين والمهتمين بالشأن العراقي، بل وحتى بعض الإعلاميين، يلجؤون إلى الشتيمة والتسقيط الشخصي بدلًا من النقد البنّاء، الذي يُعد ضرورة حضارية وممارسة مقبولة ومطلوبة من الجميع. فالإعلام في جوهره رسالة نبيلة، هدفها الارتقاء بوعي الناس، ونقل الحقيقة بموضوعية، والمساهمة في بناء مجتمع راقٍ، لا أن يتحول إلى أداة لتصفية الحسابات وإثارة الفتن.
لقد أصبح المشهد الإعلامي في كثير من الأحيان ساحة للمهاترات بدلًا من أن يكون منبرًا للنقاش المسؤول، إذ نشاهد في بعض البرامج الحوارية ضيوفًا يتبادلون الشتائم على الهواء مباشرة، في مشاهد تسيء قبل كل شيء إلى المتحدث نفسه، لأنها تكشف ضعف حجته وفقر منطقه، وتؤكد عجزه عن خوض نقاش قائم على الأدلة والوقائع. وهذا ما يُفقد الحوار قيمته، ويُفرغه من مضمونه، ويجعل المتلقي يفقد ثقته بالمؤسسات الإعلامية التي كان يُفترض أن تكون مصدرًا للتنوير والتثقيف.
إن خطورة هذا السلوك لا تقف عند حدود الإساءة اللفظية فحسب، بل تتعداها إلى تكريس ثقافة الانقسام والتناحر، بدلًا من نشر ثقافة الحوار وقبول الرأي الآخر، وهي ثقافة يحتاجها العراق اليوم أكثر من أي وقت مضى وهو يمر بتحديات سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية. وإذا استمر هذا النهج، فإن الإعلام سيفقد دوره الحقيقي، وسيتحول من سلطة رابعة فاعلة إلى مجرد ساحة صراع مليئة بالضجيج الذي لا يثمر سوى مزيد من الإحباط واليأس.
النقد الموضوعي ليس ترفًا فكريًا ولا خيارًا ثانويًا، بل هو مسؤولية أخلاقية ومهنية، لأنه السبيل الوحيد لتصحيح الأخطاء وكشف مواطن الخلل وتقديم البدائل. أما النقد الذي يتحول إلى تسقيط أو شتيمة، فهو لا يختلف كثيرًا عن العنف المادي، لأنه يجرح ويُقصي ويزرع الكراهية. ومن هنا، فإن على النخب السياسية والإعلامية أن تدرك أن قوة الكلمة تكمن في صدقها ورصانتها، لا في حدّتها وابتذالها.
إن الإعلام الحر والمسؤول هو صمام الأمان لأي ديمقراطية حقيقية، وهو المرآة التي تعكس صورة المجتمع أمام نفسه وأمام العالم. وإذا سمحنا لهذه المرآة أن تتلطخ بالمهاترات والشتائم، فإننا نسيء إلى تاريخنا وثقافتنا قبل أن نسيء إلى خصومنا.
ولذلك، ينبغي الابتعاد كل البعد عن هذه الأفعال المشينة، من أجل الحفاظ على إرثنا التاريخي والحضاري، وصون صورة العراق أمام العالم، وإبراز قيمه الأصيلة في التسامح والحوار واحترام الكلمة. فالكلمة مسؤولية، وإذا فقدت هذه المسؤولية معناها، فلن يكون للحوار قيمة، ولا للديمقراطية أساس راسخ يمكن أن يقوم عليه مستقبل أفضل

اترك تعليقًا

عرض
Drag