Skip links

القضية الفلسطينية تدخل مرحلة جديدة بعد اتفاق إنهاء حرب غزة

مقالات

كتب المحرر السياسي للتجمع

بعد التوصل إلى اتفاق ينهي حرب غزة، تدخل القضية الفلسطينية مرحلة جديدة تتسم بالغموض والتحولات العميقة على المستويين الجغرافي والسياسي. فبينما تُطوى صفحة دامية من الصراع الذي خلّف آثارًا إنسانية وجغرافية هائلة، تُفتح صفحات أخرى مليئة بالتساؤلات حول شكل المستقبل، وحدود الممكن سياسيًا وميدانيًا، في ظل تغيرات إقليمية ودولية متسارعة.

لم يعد الوضع القائم كما كان قبل الحرب. فموازين القوى على الأرض تبدلت، ومعها تعاد رسم خرائط النفوذ والتحالفات. هناك حديث عن ترتيبات أمنية جديدة في غزة، وعن أدوار محتملة لقوى إقليمية ودولية في مرحلة “ما بعد الحرب”. هذه الترتيبات قد تشمل وجود قوات مراقبة أو إدارة انتقالية، أو إعادة هيكلة السلطة الفلسطينية لتتولى مسؤوليات أكبر في القطاع، وهو ما يثير نقاشات عميقة داخل الساحة الفلسطينية حول شكل القيادة والتمثيل والشرعية.

في هذا السياق، تشير تسريبات ومؤشرات سياسية الى وجود جهود حثيثة من قبل اطراف اقليمية ودولية لتشكيل نخبة سياسية وامنية فلسطينية جديدة، يطلق عليها احياناً “التيار الفلسطيني المعتدل” لتتولى ادارة المرحلة المقبلة، ويراد من هذا التوجه الحد من صعود تيارات اكثر تشددا قد تربك الترتيبات الاسرائيلية والاقليمية، او تفشل محاولات الوصول الى توسية سياسية مستقرة، هذه الجهود تعكس اداراكاً لدى بعض الاطراف بان مستقبل غزة والقضية الفلسطينية لن يكون فقط مرهوناً بالترتيبات الميدانية، بل ايضاً بطبيعة القيادة التي ستتولى ادارة المرحلة الانتقالية، وما اذا كانت قادرة على موازنة المطالب الوطنية مع الضغوط السياسية والامنية الخارجية.

في الوقت ذاته، تتزايد الضبابية بين ما هو “مؤقت” وما قد يتحول إلى “أمر واقع” جديد، خصوصًا مع وجود أطراف تسعى لترسيخ واقع جغرافي وسياسي يخدم مصالحها، على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية.

على الصعيد الدولي، برزت دعوات متزايدة لإحياء مسار سياسي جديد يهدف إلى الوصول إلى حل دائم وشامل. غير أن هذه الدعوات تصطدم بعقبات سياسية داخل إسرائيل، وأخرى تتعلق بتفتت المشهد الفلسطيني. أما إقليميًا، فالدول العربية تجد نفسها أمام معادلة صعبة: دعم إعادة إعمار غزة وتخفيف المعاناة الإنسانية من جهة، ومحاولة التأثير في الترتيبات السياسية المقبلة بما لا يفرغ القضية من مضمونها من جهة أخرى.

القضية الفلسطينية تمر بمرحلة انتقالية دقيقة. فبعد سنوات من الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة، يأتي الاتفاق ليطرح أسئلة ملحّة:

  • من سيمثل الفلسطينيين في المرحلة المقبلة؟
  • هل هناك إمكانية حقيقية لإعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني على أسس جديدة؟
  • هل ستؤدي هذه المرحلة إلى مصالحة فلسطينية داخلية، أم ستكرس الانقسام؟

هذه الأسئلة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمدى قدرة القوى السياسية الفلسطينية على توحيد رؤيتها واستراتيجيتها الوطنية، بعيدًا عن الحسابات الفصائلية الضيقة.

المرحلة المقبلة تحمل في طياتها فرصًا حقيقية لإعادة بناء البيت الفلسطيني، سواء من خلال إعادة ترتيب الصفوف أو إطلاق عملية سياسية تستند إلى مرجعية وطنية واضحة. لكنها في المقابل تحمل مخاطر جدية، أبرزها أن تتحول الترتيبات المؤقتة إلى واقع دائم يُكرّس السيطرة الخارجية، أو أن يتم تجاوز المطالب الوطنية الفلسطينية في خضم صفقات إقليمية ودولية أكبر.

ما بعد الحرب ليس بالضرورة سلامًا، لكنه بالتأكيد بداية فصل جديد في مسيرة قضية لم تفقد بوصلتها، مهما تغيرت خرائط المنطقة. فالشعب الفلسطيني ما زال في قلب هذا التحول، متمسكًا بحقوقه، بين تطلعٍ إلى العدالة والسلام، وخشيةٍ من أن تتحول التسويات إلى إعادة إنتاجٍ لأشكال جديدة من السيطرة والمعاناة.

إن إدارة هذه المرحلة تتطلب رؤية استراتيجية شاملة، وحكمة سياسية، وقدرة على التعامل مع تعقيدات الواقع دون التفريط بالثوابت الوطنية. فالمستقبل الذي يُرسم اليوم سيحدد ملامح القضية الفلسطينية لعقود قادمة.

اترك تعليقًا

عرض
Drag