Skip links

العراق في دائرة الخطر.. جانب مظلم وتحديات مركبة تهدد حياة الشعب

تقارير

في ظل تسارع مظاهر التغير المناخي، وتزايد موجات الجفاف والتصحر، يواجه العراق تحديات بيئية واقتصادية مركبة تهدد الأمن الغذائي واستقرار الفئات الهشة.

وفي وقت تتباين فيه الاستجابات الرسمية بين الجهود المعلنة على الأرض وبطء التنفيذ، من منع زراعة محاصيل استراتيجية بسبب شح المياه، إلى تضرر فئات عاملة من موجات الحر، ترسم شهادات مسؤولين وخبراء ومواطنين صورة مقلقة لمستقبل بيئي واقتصادي على المحك.

منع زراعة الشلب

وأوضح مستشار وزارة الزراعة، مهدي ضمد القيسي، أن الوزارة كانت سبّاقة في إدراك تداعيات التغيرات المناخية وشح الإيرادات المائية، واتخذت إجراءات مبكرة لمعالجة آثار هذه التحديات على القطاع الزراعي في العراق.

وبيّن القيسي لوكالة شفق نيوز، أن من أبرز هذه الإجراءات، قرار الحكومة في الخطة الزراعية الصيفية بمنع زراعة الشلب، نظراً لكونه من المحاصيل التي تتطلب إغماراً مستمراً بالمياه طوال فترة النمو وحتى الحصاد، وهو أمر لم يعد ممكناً في ظل انخفاض مناسيب المياه.

وأضاف أن الوزارة بدأت منذ عدة سنوات بتجربة تقنيات الري الحديثة، وعلى رأسها الري بالرش لمحصول الشلب، بهدف تقليل الهدر المائي، مع الحفاظ على جودة ونكهة الأرز، لاسيما صنف “العنبر” المعروف محلياً. وأظهرت النتائج الأولية للتجارب مؤشرات إيجابية، فيما يتواصل العمل للتوسع في هذه التقنيات الحديثة.

وفيما يتعلق بمحصول الحنطة ضمن الخطة الزراعية الشتوية، أشار القيسي، إلى أن وزارة التجارة أعلنت مؤخراً استلام أكثر من 5 ملايين و100 ألف طن من الحنطة من مختلف المحافظات، وهو ما يُعد كافياً لتغطية احتياجات البطاقة التموينية لهذا العام.

وواصل المسؤول الحكومي حديثه بالقول إن “وزارة الزراعة أحدثت خلال العامين الماضيين طفرة نوعية في دعم المزارعين من خلال توفير منظومات الري بالرش، حيث تُمنح هذه المنظومات لمزارعي الحنطة بخصم 30%، على أن يُقسط المبلغ المتبقي (70%) على مدى عشر سنوات، مع إعفاء من الدفع في السنة الأولى، أي تسدد خلال 11 عاماً.

وتعتمد هذه المنظومات، وفق القيسي، على الآبار والمياه الجوفية، وتُسهم في تقليل استهلاك المياه بنسبة تتراوح بين 30 إلى 40% مقارنة بالري السيحي، مع تحقيق زيادة في الإنتاج وتحسين نوعية المحصول.

وفي إطار تأمين الكميات المطلوبة، لفت إلى أن وزارة الزراعة تعاقدت مع وزارة الصناعة لتجهيز هذه المنظومات، إلا أن الإنتاج المحلي لا يغطي الحاجة الكاملة، ما دفع وزارة الزراعة للجوء إلى المناقصات لاستيراد منظومات إضافية.

وتم التعاقد، بحسب القيسي، على 13 ألف منظومة ري بسعات مختلفة (60، 80، و120 دونماً)، وقد استُلم نصف هذه الكمية حتى الآن، فيما تم توزيع 3 آلاف منظومة منها فعلياً على الفلاحين.

خطط لتوزيع المياه

من جانبه، أعلن معاون مدير عام الهيئة العامة لتشغيل مشاريع الري والبزل في وزارة الموارد المائية، غزوان عبدالأمير، أن الوزارة وضعت خطة شاملة لمعالجة انخفاض مناسيب المياه في الخزانات نتيجة تراجع الواردات المائية مقارنة بالسنوات السابقة، ما أدى إلى بلوغ مستويات خزين مائي متدنية.

وأوضح عبدالأمير، للوكالة، أن الخطة تضمنت توزيع المياه المتوفرة في الخزانات على جميع المحافظات العراقية وفق نسب سكانية مدروسة واحتياجات متعددة تشمل مياه الشرب، ري البساتين، تغذية الأهوار، وسد الاستخدامات الأخرى.

ونبه إلى أن الوزارة تراقب يومياً كميات التصريف الواصلة للمحافظات، كما تنفذ إجراءات للحد من التجاوزات، بينها إزالة أحواض الأسماك المخالفة وتشغيل المضخات خارج أوقات المراشنة.

وذكر عبد الأمير، أن هذه الإجراءات أسهمت في إيصال الحصص المائية إلى المحافظات، مشيراً إلى أنه تم تأمين ما لا يقل عن 90 متراً مكعباً من المياه لمحافظة البصرة.

وفي ما يتعلق بالخطة الزراعية الصيفية لهذا العام، أكد عدم إقرار أي خطة زراعية شاملة، بل اقتصر الأمر على إرواء أكثر من مليون دونم من البساتين في عموم البلاد، إضافة إلى السماح بتشغيل المضخات وتوفير مياه الشرب للإنسان والثروة الحيوانية.

وفي سياق متصل، أشار إلى أن بعض الفلاحين في عدد من المحافظات أقدموا على زراعة محاصيل زراعية خارج نطاق الخطة المقررة، محذراً من أن هذه الزراعة غير المصرح بها ستؤثر سلباً على مياه الشرب ومياه البستنة في المناطق الواقعة بعد مواقع التجاوز.

وأبلغ عبد الأمير، بأن الوزارة غير مسؤولة عن أي أضرار قد تلحق بهذه المحاصيل، مشدداً على أن المخالفين سيتحملون التبعات القانونية.

أما بشأن الموسم الزراعي الشتوي المقبل، فقد أشار إلى أن الخطة تعتمد على تحسّن الوضع المائي وما تحققه البلاد من واردات خلال شهري تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر.

وعن المفاوضات الإقليمية، أكد عبدالأمير، أن وزارة الموارد المائية هي الجهة المسؤولة عن ملف التفاوض الفني مع دول الجوار بشأن الحصص المائية.

مرحلة الخطر

بدوره، حذّر عضو مرصد “العراق الأخضر” المتخصص في شؤون البيئة، عمر عبد اللطيف، من أن العراق بات خامس أكثر دولة تأثراً بالتغير المناخي عالمياً، نتيجة عوامل متعددة أبرزها تراجع الغطاء النباتي، وارتفاع درجات الحرارة، والموقع الجغرافي القريب من خط الاستواء، بالإضافة إلى ضعف الاهتمام الرسمي بالبيئة.

وأخبر عبد اللطيف، وكالة شفق نيوز، بأن المحافظات الجنوبية ومحافظات الفرات الأوسط هي الأكثر تضرراً حالياً من ظاهرتي التصحر والجفاف، محذراً من أن الأضرار قد تشمل محافظتي الأنبار ونينوى، فضلاً عن إقليم كوردستان خلال السنوات الثلاث المقبلة، في ظل استمرار شح الإطلاقات المائية وعدم التوصل إلى اتفاقات واضحة مع الجانب التركي بشأن الحصص المائية.

وبين أن العراق دخل عملياً ما يمكن وصفه بـ”مرحلة الخطر البيئي” وفقاً للمعايير الدولية، مشيراً إلى أن التغيرات المناخية تتسارع في البلاد، في حين ما تزال الإجراءات الحكومية لمعالجة الأزمة تسير ببطء شديد وسط بيروقراطية وروتين إداري يعيق الاستجابة السريعة.

ولفت عبد اللطيف، أن استمرار هذا التباطؤ في مواجهة أزمة المناخ قد يؤدي إلى تفاقم الكوارث البيئية، ما يستدعي تحركاً عاجلاً وشاملاً على المستويات كافة للحد من التداعيات المتوقعة.

تضخم وارتفاع البطالة

في السياق ذاته، حذّر الباحث الاقتصادي أحمد عيد، من أن الأسواق العراقية تشهد مؤخراً ضغوطاً متزايدة على أسعار السلع الغذائية، نتيجة التراجع في الإنتاج الزراعي بفعل الجفاف والتصحر، وهو ما يُترجم تدريجياً إلى موجات تضخمية تطال المواد الأساسية، وتثقل كاهل المواطنين وتزيد من اضطراب السوق.

وأوضح عيد، خلال حديثه للوكالة، أن الأثر المالي لتعطل القطاع الزراعي لا يقتصر على ارتفاع الأسعار فقط، بل يمتد ليشكل عبئاً كبيراً على الاقتصاد الكلي، إذ يؤدي إلى خسائر في مساحات واسعة من الأراضي الصالحة للزراعة، ويُقلّص من مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، إضافة إلى تعطيل سلاسل التوريد المحلي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

ولفت إلى أن هذا الواقع يفرض أعباءً إضافية على الدولة، تتراوح بين زيادة الاعتماد على الاستيراد لسد الفجوة الغذائية، وتخصيص موارد لدعم الفلاحين والقطاعات المتضررة، مما يضغط على الموازنة العامة ويحد من قدرة الحكومة على المناورة المالية.

وأشار الباحث، إلى أن التأثيرات لا تتوقف عند الجانب الاقتصادي فحسب، بل تطال سوق العمل الريفي بشكل مباشر، إذ يؤدي فقدان الأراضي الزراعية إلى انقطاع مصدر الرزق الأساسي لآلاف الأسر، وارتفاع معدلات البطالة، ودفع موجات من الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن، الأمر الذي يخلق ضغوطاً إضافية على البنى التحتية الحضرية.

ونبه إلى أن هذه التحولات تُضعف القطاع غير النفطي، لا سيما في مجالي الزراعة والخدمات، اللذين يشكلان ركيزة مهمة في بنية الاقتصاد العراقي خارج القطاع النفطي.

وختم عيد، حديثه بالقول إن العراق لا يزال يفتقر إلى خطة اقتصادية وطنية شاملة وطويلة الأمد لمواجهة تداعيات التغير المناخي، مشيراً إلى أن الإجراءات الحالية تقتصر على معالجات متفرقة وردود أفعال مرحلية، لا ترقى إلى حجم التحدي الذي يواجه البلاد.

وفي الجانب الإنساني من الأزمة، تحدّث العامل في قطاع البناء بالعاصمة بغداد حسين سجاد (23 عاماً) عن المعاناة اليومية تحت وطأة درجات الحرارة المرتفعة في بغداد، قائلاً إن ارتفاع درجات الحرارة بات يشكل عبئاً مضاعفاً على العاملين، خاصة ضمن فئة ذوي الدخل المحدود، مؤكداً أن هذه الموجات الحارة تؤثر عليهم صحياً واقتصادياً في آنٍ واحد.

اترك تعليقًا

عرض
Drag