البطالة بالعراق تدفع شباباً للزواج غير التقليدي.. “الأكبر سناً أكثر أماناً”
تقارير
في أحد أزقة بغداد الهادئة، يكتب أحمد 30 عاماً، وزوجته عبير 44 عاماً، فصلاً مختلفاً من الحكايات العاطفية التي قد لا يجرؤ كثيرون على خوضها، فقد وجد الزوجان مساحة من الطمأنينة والتفاهم بينهما بشكل قلّ نظيره، على الرغم من فارق العمر بينهما.
أحمد، الذي يعمل موظفاً في أحد المصارف، يصف علاقته بزوجته قائلاً: “لم يكن العمر يعني لي شيئاً، ما وجدته فيها أكبر من كل الحسابات“.
ويشير، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أنه وجد في هذه المرأة نضجاً فكرياً ودفئاً إنسانياً افتقده طويلاً، إضافة إلى الشراكة الصادقة والدعم والإسناد الذي جعله يشعر بالطمأنينة في تفاصيل حياته.
أما عبير، فتروي وهي تبتسم بوداعة: “واجهنا في البداية دهشة واستغراب الأهل والأصدقاء، واعتراضات عديدة، لكننا صممنا أن نقطع طريق الحياة معاً ونسير بثقة“.
وتستطرد في حديثها للوكالة، بالقول إنها أثبتت التفاهم والاحترام هما سر استمرار الحياة الزوجية السعيدة، وليس الأرقام المثبتة في البطاقة الشخصية.
العمر مجرد رقم
وبحسب خبراء الاجتماع، لم يعد نموذج أحمد وعبير نادراً كما في السابق، حيث يوضح الباحث الاجتماعي حميد الرماحي، للوكالة، أن “التحولات الاجتماعية والانفتاح الإعلامي جعلا المجتمع أكثر استعداداً لتقبل أشكال جديدة من العلاقات، خاصة تلك القائمة على الانسجام الروحي والفكري بعيداً عن القيود الموروثة“.
وووفقاً لحديث الباحث، فإن معادلة الحب والتفاهم هي الأرجح بين مختلف معادلات الزواج، خاصة إذا كان الطرفان يملكان وعياً وحرصاً على بناء حياة مشتركة بمعايير خاصة.
وتبرز قصة الشاب مصطفى عماد 23 عاماً، الذي تزوج من أرملة تكبره بـ 20 عاماً، كان زواجه بمثابة صاعقة هزت العائلة والأقارب، إذ أحاطت به علامات الاستفهام والتعجب حول اختياره الزواج من امرأة بعمر والدته، اذ رفض الأهل مباركته و قاطعوه، لكنه استمر في زواجه.

ويروي مصطفى، قصته للوكالة قائلاً إنه خاض تجارب عديدة مع فتيات أصغر منه وتعرض للخيانات والخيبات، لكنه وجدت في زوجته ما لم يجده في الأخريات من ناحية التفاهم والتعاون والصبر في المواقف الصعبة.
كم يضيف: “نضجها وشخصيتها المستقلة ووعيها العميق للأشياء جذبني إليها، وجعلني أصر على الارتباط بها، غير مبالٍ لضغوط الأهل والأصدقاء“.
وتشير دراسة علمية صادرة عن جامعة بريطانية إلى أن النساء المرتبطات برجال أصغر منهن بـ7 إلى 10 سنوات يتمتعن بمستويات أعلى من الذكاء العاطفي، وشخصيات أفضل بكثير مقارنة بالمقترنات برجال من نفس العمر، ما يجعل هذا النوع من الزواج أقرب إلى تكوين شراكات مثالية.
كما يحفل المجتمع الإنساني بشخصيات عامة مرموقة ارتبطت بنساء أكبر سناً منهن.
الزواج يتجاوز مرحلة الأمور المادية
في حين، يرى بعض الباحثين أن هذا النمط من الزواج يرتبط بالمال والاستقلال المادي للنساء، حيث توضح الباحثة الاجتماعية ريا قحطان، أن “المال يعد دافعاً أساسياً لاقتران بعض الرجال بنساء اكبر منهم سناً“.
وفي حديث لوكالة شفق نيوز، تشير إلى أن “المرأة الموظفة أو المنحدرة من أسرة غنية تجذب الرجل إليها، إذ يسعى كثير من الرجال لاختصار الوقت والجهد بشأن مستقبلهم، ولا يجدون مشكلة في فارق العمر إذا كانت المرأة مقتدرة مالياً“.
وفي ظل الظروف المعقدة التي يعيشها العراق، تؤدي الأزمات الاقتصادية والبطالة دوراً محورياً في القرارات المصيرية ومنها الزواج.
ويذكر الأكاديمي والخبير النفسي قاسم حسين صالح، قصة طالب جامعي فاجأ زميلته برسالة نصية كتب فيها: “اعذريني فأنا عاطل”، لينهي علاقته العاطفية ويتزوج من أرملة ذات وضع مالي جيد.
ويتساءل صالح: “هل تعذر هذه الفتاة حبيبها، أم تلعن من قتل الحب في الشباب؟”، مضيفاً أن “البطالة في صفوف الشباب، الذين يشكلون ثلثي المجتمع العراقي، هي السبب الرئيس لزواجهم من نساء أكبر منهم سناً، شريطة أن يكن موظفات أو ذوات دخل“.
وبحسب الخبير النفسي، فإن هذا الزواج يجعل زمام الأمور بيد المرأة، ما يؤدي إلى معاناة الشباب من الاغتراب النفسي والشعور بانعدام معنى وجودهم في الحياة.
ويوضح صالح، أن “بعضهم يمارس خداع الذات بعلاقات مع شابات لمحاولة التعويض العاطفي، لكن الخيبات المتتالية تولد لديهم الكآبة والضياع والخوف من المستقبل، وتدفع قسماً منهم إلى تعاطي المخدرات كوسيلة للهروب من واقع لم يقدم لهم حلولاً، وأهمها الزواج المتكافئ والشعور بالكرامة في وطن يمتلك كل المقومات للحياة الكريمة“.
وتتعدد القصص في ملف هذا النوع من الزواج، الذي يبدو فيه فارق السن كبيراً أحياناً، بينما يحاول بعض الشباب إقناع أنفسهم والآخرين بالرضا والسعادة، لكنه في كثير من الأحيان يخفي معاناة الواقع وضغط الظروف التي غيرت مسار حياتهم ودفعت بسفنهم إلى الإبحار عكس الرياح.
