الامة العربية بين شجب الحكام ودماء الشعوب
مقالات
((لمناسبة عقد مؤتمر قمة عربية – اسلامية طارئة في الدوحة))
أ. د. محمد طاقة
ولدتُ عام (1948)، العام الذي اغتصبت فيه فلسطين، عام النكبة التي لم تكن مجرد حدث عابر في تاريخ الامة العربية، بل جرحاً مفتوحاً ما زال ينزف حتى يومنا هذا. ومنذ طفولتي، كما كان حال كل ابناء العراق، تربيت على حب فلسطين وعلى التضحية في سبيل تحريرها. كبرنا ونحن نؤمن ان فلسطين هي قلب الامة، وان الدفاع عنها دفاع عن شرفنا ووجودنا، ولكن لعقود مرّت، والحروب توالت، والاعتداءات الصهيونية لم تتوقف، ومع كل مواجهة كانت الكفة تميل لصالح العدو، لا لقوة إسرائيل وحدها، بل لضعف العرب وتفككهم وتواطؤ بعض قادتهم الذين رهنوا ارادتهم لسياسات امريكا وحلفائها.
لقد أنيط بإسرائل دور استراتيجي واضح ان تبقى اداة عدوان دائم، تمنع الامة العربية من التوحد والتقدم. وتزرع الهزيمة في وجدانها. ومع كل اعتداء على قطر عربي، نسمع النغمة المكرورة ذاتها ((نستنكر، ونشجب، وندين ))
كلمات جوفاء لا تردع عدواً ولا تحفظ كرامة.
الامم المتحدة تشجب، الجامعة العربية تشجب وتستنكر، والحكام العرب جميعهم يشجبون.. ثم يلوذون بالصمت. باتت هذه الجملة الممجوجة مرادفاً للعجز والمهانة.
حتى غدت امتنا بلا وزن، وبلا احترام بين الامم. ان ماجرى للعراق عام (2003) كان الحدث المفصلي الأخطر في تاريخنا الحديث ، لقد كان العراق البوابة الشرقية، القوة التي تحمي الامة، صمام أمانها، لكن التآمر الدولي وعلى رأسه أمريكا وبريطانيا، لم يكن وحده المسؤول، بل ان بعض الحكام العرب اسهموا مباشرةً في تمويل الغزو وتبريره وتمهيد الطريق لإنهاء الحكم الوطني في العراق، يومها لم يدركوا ان سقوط بغداد سيعني سقوط العرب جميعاً.
فتح غزو العراق أبواب جهنم على الامة العربية
وسمح لقوى الشر كلّها ان تنهش جسدها، من الصهيونية إلى إيران إلى ادوات الاستعمار الجديد. لقد أسهم هؤلاء الحكام في اسقاط السند الحقيقي للامة، واليوم يعضون أصابع الندم على فعلتهم ويدفعون الثمن غالياً، فالكيان الصهيوني وأمريكا لا يعرفان صديقاً ولا حليفاً، بل يعرفان مصالحهما فقط.
من ظنّ انه في مأمن، سيلقي نصيبه عاجلاً ام آجلاً. البارحة ضُرب العراق وسوريا ولبنان واليمن واليوم تهدد الدوحة وتضرب وغداً الإمارات وبعده السعودية.. وهكذا حتى تؤكل الامة قطعة قطعة، وقد صدق المثل القائل (جنت على نفسها براقش).
إن التاريخ لن يرحم من تآمروا عل العراق، ولن يرحم من فرطوا بفلسطين، ولن يرحم من باعوا قضايا الامة في سوق المصالح الضيقة. وما نعيشه اليوم من تشرذم وانهيار ما هو إلا نتيجة مباشرة لتلك السياسات الغير مسؤولة والخضوع الاعمى للإملاءات الأمريكية.
ايها العرب (شعوباً وحكاماً ) ان الدرس واضح لا مكان لكم بين الامم إن لم تعودوا إلى وحدتكم، لا كرامة لكم ان لم تدركوا ان مصيركم واحد، ان ما يصيب أي جزء من جسد الامة يؤلمها كلها.
وحدها الوحدة العربية، مشروعاً ومصيراً قادرة على ان تضعنا في مكانة محترمة بين الامم. اما التبعية والفرقة، فليستا سوى طريق إلى مزيد من الذل والانكسار.
عمان
في 13/9/2025
