أيدي مبتورة وأرواح مهددة… التكلفة البشرية الباهظة لغياب السلامة في مواقع العمل بالعراق
مقالات
صادق الازرقي
تتزايد الحوادث الفردية الناجمة عن اهمال متطلبات السلامة المهنية في العراق بصورة مطردة وباتت تبلغ الآلاف في كل عام، لاسيما في القطاع الخاص في حين لا يبلغ أصحاب المصانع عن كثير منها، هذا فضلا عن الحرائق الناجمة عن اهمال إجراءات السلامة المدنية في الأسواق التي تسببت في مقتل وجرح اعداد كبيرة من السكان.
ويوم السابع من تشرين الأول 2025 استنكر اتحاد نقابات العمال في البصرة الحادثة المأساوية التي أدت إلى بتر يدي أحد العمال في أحد مواقع العمل بالمحافظة، محملا رب العمل المسؤولية الكاملة عن الحادث، ومتوعدا باتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية والإعلامية لملاحقة المقصرين، وقال في بيان إننا في اتحاد نقابات العمال في البصرة نعد هذا الفعل جـريمة مكتملة الأركان بحق الطبقة العاملة، ووصمة عار في جبين كل من يرى العامل مجرد أداة إنتاج لا روح لها ولا حقوق، إن الاستهتار بأرواح العمال وسلامتهم هو تجاوز على القانون الإنساني قبل أن يكون مخالفة لقوانين العمل، وسنتابع هذا الملف حتى النهاية قضائيا وإداريا وإعلاميا، بحسب نص بيان الاتحاد.
وكان المتحدث الرسمي باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، حسن خوام، قد كشف في تموز 2025 عن تزايد مقلق في أعداد إصابات العمل بالقطاع الخاص في العراق في السنوات الأخيرة، فيما أقر بتواجد تحديات كبيرة في دقة الإحصائيات الرسمية بسبب تهرب بعض أصحاب العمل من الإبلاغ عن الحوادث، مشددا على أن أي مخالفة في هذا الشأن تواجه إجراءات قانونية صارمة، تبدأ برفع تقرير تفتيشي مفصل وقد تصل إلى إغلاق المشروع المخالف أو إحالة المسؤولين عنه إلى محكمة العمل.
وأشار إلى أن الوزارة اتخذت بالفعل قرارات بإغلاق مئات المشاريع المخالفة لاشتراطات الصحة والسلامة.
وأوضح ان الإصابات ضمن القطاع الخاص تحديدا، 424 إصابة في عام 2020، و3593 إصابة في عام 2021، و 4011 إصابة في عام 2022، ثم تصاعدت الى 4072 إصابة في عام 2023، فيما سجل القطاع العام 336 إصابة فقط في المدة نفسها.
ولفت خوام الى أن عددا من الحوادث لا يجري الإبلاغ عنها من قبل أصحاب العمل، بخاصة في المشاريع الصغيرة أو غير المسجلة رسميا، مما يشكل تحديا أمام التوثيق والرصد الدقيق؛ كما لفت إلى أن حالات الوفاة، برغم زيارات مفتشي المركز الوطني للمواقع، لم تسجل رسميا بسبب تهرب المعنيين من المساءلة القانونية أو حل المشكلات بطرق عشائرية، مما يجعل الإحصائيات الرسمية غير دقيقة.
ويمكن بناء على المعطيات والتقارير المتاحة، تلخيص أسباب تزايد حوادث السلامة المهنية الناجمة عن إهمال متطلباتها في العراق، لاسيما في القطاع الخاص، في جملة أمور منها، ضعف الرقابة والتفتيش، اذ يعد ضعف التفتيش وقلة عدد المفتشين التابعين لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، فضلا عن نقص الدعم المخصص لجهاز التفتيش، سببا رئيسا لعدم التزام المؤسسات بالقانون.
كما يتركز عمل بعض المفتشين الحاليين على فحص تنفيذ أحكام قانون التقاعد والضمان الاجتماعي (مثل الشمول بالضمان وموقف العمال الأجانب)، بدلا من التحقق من أحكام وشروط السلامة والصحة المهنية.
وكثير من أرباب العمل في القطاع الخاص، لاسيما في المشاريع الصغيرة وغير المسجلة، لا يولون أهمية كافية لتوفير متطلبات الصحة والسلامة المهنية، كما ان هناك ضعفا في الاهتمام بتطبيق تعليمات السلامة والصحة المهنية لوقاية العمال، وعدم التزام مسؤولي السلامة في مواقع العمل بمتابعة الاشتراطات بشكل فاعل.
وبعض المؤسسات تتعامل مع قسم السلامة والصحة المهنية على أنه قسم ثانوي، وقد يجري توظيف ملاكات غير كفؤة أو غير متخصصة في هذا المجال.
كما يمثل التهرب من الإبلاغ عن الحوادث من قبل أصحاب العمل، بحسب المتحدث الرسمي باسم وزارة العمل عاملا مهما في عدم متابعتها والتوصل الى علاجات لها، بخاصة في المشاريع الصغيرة، مما يؤدي إلى عدم دقة الإحصائيات الحقيقية؛ هذا الإحجام عن التوثيق يمنع المساءلة ويقلل من الضغط لتوفير بيئة عمل آمنة، وقد يجري حل المشكلات بطرق عشائرية بدلا من الطرق القانونية.
ويمثل نقص وعي وثقافة السلامة المهنية عاملا محبطا آخر، فان ثقافة السلامة المهنية ما تزال دون المستوى المطلوب لدى أصحاب العمل والعمال في أغلب مشاريع ومرافق القطاع الخاص.
كما يتحمل العامل جزءا كبيرا من مسؤولية تعرضه الى المخاطر، اذ تبين بعض الاحصائيات ان 92% من الحوادث تقع لأسباب تعود لتصرفات غير سليمة من قبل العامل نفسه، مثل عدم تطبيق تعليمات السلامة، أو عدم استعمال أجهزة الوقاية من الحوادث واتخاذ احتياطات الأمان.
ان العقوبات المنصوص عليها في قانون الدفاع المدني قد لا تكون رادعة بما يكفي، اذ تنبثق مطالبات بتعديل القانون لزيادة الغرامات ومنح صلاحيات أكبر للمديرية لإغلاق المشاريع المخالفة، وكذلك فان تواجد مشاريع ومبانٍ مخالفة لشروط السلامة المهنية (قدر بعض المسؤولين عددها بالآلاف) يشير إلى قصور في تطبيق القوانين النافذة.
وبعض المختصين يعزون زيادة الإصابات والوفيات إلى الانفتاح الكبير في المشاريع الاقتصادية والاستثمارية بعد عام 2003، مما أدى إلى زيادة في عدد مواقع العمل من دون ضوابط او عدم تواجد مواكبة كافية لمتطلبات السلامة.
