أزمة السلاح المنفلت بلا بداية ولا نهاية
مقالات
مشتاق الربيعي
أزمة السلاح المنفلت ليست لها بدايةٌ واضحة، ولا حتى نهايةٌ معلنة. مشكلة السلاح المنفلت لا تقتصر على الأحزاب السياسية أو الفصائل التي تمتلك أجنحة مسلحة فقط، فهناك عشائر أيضاً تمتلك سلاحاً خارج إطار القانون. وفي أحيان كثيرة تتحول شوارع بعض مدن العراق إلى ساحات مسلحة تُستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة، فتبدو المشاهد أشبه بما نراه في أفلام الأكشن الهوليودية، لكن الواقع هنا أكثر قسوة وأشدّ فداحة، لأنه يمس حياة الناس اليومية ويزرع الخوف في قلوب المواطنين الأبرياء.
أين دور الدولة أمام كل هذا؟ مسلسل “الدكة العشائرية” لا ينتهي اطلاقاً والنزاعات المسلحة بين قيادات الفصائل تستمر على نحوٍ يهدّد أمن الناس واستقرر المجتمع. الحلّ ليس في اللجان التحقيقية المؤجلة؛ فمعظمها يتسم بالتوقيف المؤقت والخجل في الملاحقة، ولا يحقّق أي ردع حقيقي. لذلك فقد فشلت هذه المسارات في معالجة جذور المشكلة، وغالباً ما تتحول إلى إجراءات شكلية لا تغير الواقع شيئاً.
على الدولة أن تقول «كفى» بصوتٍ واضح وحازم، وأن تطلق يدها في مواجهة كل الجهات الخارجة عن القانون وتفرض سيطرتها على الجميع — ولو تطلّب ذلك استخدام القوة باعتدال لضمان الأمن العام. يجب أن يكون السلاح حصراً بيد الدولة لحماية وحدة البلاد وسلامة المواطنين. لا يمكن السماح بتكرار حلقات العنف بلا رادع، فكل يومٍ يمر دون ضبط هذا السلاح، يضاعف خطر الفوضى وتهديد حياة المدنيين.
إن توقيف مسلسل العنف يتطلب قرارا شجاعا وإصلاحات حقيقية: تقوية مؤسسات الدولة، تطبيق القانون على الجميع بلا استثناء، ومساءلة من يجنّب نفسه المسؤولية. فالإهمال والتهاون لا يضرّ فقط بالقانون، بل يُهدد نسيج المجتمع برمته. فقط حينها سيعود الشارع إلى مدنيته، ويستعيد المواطنون حقهم في العيش الآمن، بعيدا عن الخوف والتهديد.
في النهاية، إن السلاح المنفلت ليس مجرد قضية أمنية، بل اختبارا حقيقياً لمصداقية الدولة وقدرتها على فرض القانون وتحقيق العدالة. فإذا لم تُواجه الدولة هذا الملف بحزم ووضوح، ستظل الأزمات تتكرر، وستظل المدن العراقية مهددة بمشاهد العنف والفوضى، وما بين أزمة وأخرى سنظل نعيش في دوامة لا نهاية لها.
